العلة من المحسوس بأن تستدل على المطر بالغيم وعلى شبع زيد باكله، فتقول كل من أكل كثيرًا فهو بالحال شبعان وزيد قد أكل كثيرًا فهو إذًا شبعان. ونعني بالعلة هاهنا السبب الاعتباري، إذ العرض التمثيل، ولا تطلب الحقائق من الأمثلة، المسوقة لتفهيمات مقاصد بعيدة عن الأمثلة، وإن استدللت بالشبع على الأكل كان قياسك قياس دلالة فانك إذا عرفت إن زيدًا شبعان حكمت عليه بأنه أكل، فكان نظم قياسك أن كل شبعان فقد ممل من قبل وزيد شبعان فإذًا قد ممل، وكذا ترى امرأة ذات لبن فتقول كل امرأة ذات لبن فهي قد ولدت وهذه ذات لبن فهي إذًا ولدت. ومثاله من الكلام أن تقول كل فعل محكم ففاعله عالم والعالم محكم ففاعله عالم والأحكام مسبب العلم لا سببه فهو دلالة، ولذلك يجوز أن يتأخر الدليل عن المدلول حتى يستدلون بالتيمّم على حكم الوضوء، ولا تتأخر العلة عن المعلول. ومثال قياس العلة في الفقه الاستدلال بالسكر على التحريم كما مضى، وممال الاستدلال بإحدى النتيجتين على الأخرى في الفقه قولنا في الزنا إنه لا يوجب حرمة المصاهرة لأنه وطىء لا يوجب المحرمية وما لا يوجب المحرمية لا يوجب الحرمة وهذا لا يوجب المحرمية فإذًا لا يوجب الحرمة، والمشترك في المقدمتين المقرون بقولنا لأن المحرمية وهي ليست علة الحرمة ولا الحرمة علة لها، بل هما. نتيجتا علة واحدة. وحصول إحدى النتيجتين يدل على الأخرى بواسطة العلة، فإنها تلازم علتها والنتيجة الثانية أيضًا تلازم علتها وملازم الملازم ملازم لا محالة. فإن ظهر أن المحرمية علة الحرمة لم يكن هذا صالحًا لأن يكون مثالًا لغرضنا. وأما مثاله في العادات فجميع الأدلة في علم الفراسة، فإنه يستدل بالخلقة والمزاج على الخلق لا لأن أحدهما علة الآخر ولكن كلاهما بحكم جريان العادة نتيجة علة واحدة، حتى يقال في علم الفراسة الإنسان إذا انضم عظم أعالي يديه وصدره ووجهه إلى عظم عرضه واتساعه كان شجاعًا قياسًا على الأسد، والشجاعة واتساع الصدر ليس أحدهما علة للآخر ولكن عرف باستقراء الحيوانات تلازمهما فعلم إن علتهما واحدة وأن أحدهما يدل على الآخر عند شروط آخر مضمومة إليه كما يستقص في ذلك العلم. وقد كان الشافعي ﵁ ماهرًا فيه وصادق الحدس في التفرس، وهذا العلم يتداعى إلى عجائب عظيمة حتى إن الناظر في كتف الشاة يستدل بما فيها من الخطوط الحمر على جريان سفك الدماء في السنة وما فيها من النقط على كثرة الأمطار والنبات ويصيب فيها ويعلم قطعًا أن حمرة خطوط كتف الشاة لا تكون علة تقاتل السلاطين ولا النقط فيها علة كثرة النبات والأمطار ولا معلولًا لها، ولكن لا يبعد من عجائب صنع الله تعالى إذ يكون في الأسباب السماوية سبب واحد يتفق في تلك السنة فيكون علة
1 / 244