मदीना फ़ादिला
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
शैलियों
50
وهذه الحكاية بلا شك حسنة السبك، لم تفقد شيئا من روائها عند الإعادة، على أنها تشرح بما فيه الكفاية كيف صاحب دين الإنسانية الذي ولد في القرن الثامن عشر الانقلاب السياسي الاجتماعي الذي تم تدريجا في خلال المائة العام التالية للاستيلاء على الباستيل، وكيف كان من العوامل المؤثرة في ذلك الانقلاب، على أنه لا ينبغي أن نغفل أن الانقلاب لم يتم دون شيء من الترخص في حق مبادئ الثورة، ودون شيء من التساهل عند تطبيقها، وهذا الشيء من الترخص والتساهل لم يكن قليلا ولا مستورا، وأن مدام رولان لو قدر لها أن تنظر بعين الغيب إلى ما سيكون من أمر الجمهورية الفرنسية الثالثة، وإلى ما بينها وبين الجمهورية المثالية من فرق ما بين المثل الأعلى الباهر والواقع الخسيس، وإلى أن الجمهورية الثالثة كانت في الحقيقة من إنشاء الملوكيين لما اختلفوا فيما بينهم، وإلى أنها كانت ذلك الشيء الذي لا يصح في الأفهام، جمهورية بلا دستور جدير بالاسم وبلا إعلان لحقوق الإنسان غير القابلة للتقادم، لو قدر لمدام رولان أن ترى كل هذا لصعدت درج المقصلة بقدم أقل ثباتا، وهذا مازيني لم يستطع أن يحمل نفسه على أن يصدق أن ما ناله كافور لإيطاليا بالألاعيب السياسية وبالحرب وبعون من نابليون الثالث الذي سحق الحرية في فرنسا بقدمه يمكن أن يكون تحقيقا للأماني الإيطالية،
51
وكذا بالنسبة لألمانيا، أن ما ناله الشعب الألماني وهو في ذاته لا يجاوز حق إلقاء الخطب واتخاذ القرارات في الريشتاج (ولم يكن هذا غنما كبيرا)، لم ينله ثمرة جهد مؤتمر فرانكفورت في 1848، وإن كان هذا الجهد لم يتعد إلقاء الخطب واتخاذ القرارات، بل ناله بفضل سياسة الدم والحديد التي اتبعها بسمارك،
52
وهو لم يكن ممن يؤمنون إطلاقا بالديمقراطية، وإنما وافق على منح الشعب حق التصويت العام، مزايدة على الديمقراطيين، وكشفا عن خبيئتهم، فكان ما فعل نقلة من نقلات منازلة الخصوم السياسيين.
أيمكن أن نقول إذن إن الإمبراطورية الألمانية أو الجمهورية الفرنسية الثالثة أو المملكة الإيطالية أو الحل الوسط الذي اتفق عليه ألمان النمسا والمجر ليسودوا سائر شعوب الإمبراطورية الثنائية أو حق التصويت في إنجلترا لأرباب الأسرات، ليتلهى به المستأجرون في الملكيات الزراعية الموقوفة، أكانت هذه المغانم المشكوك في قيمتها ومثيلاتها كل الجزاء الحق الذي وفاه الخلف، وهو كاره غير راض، وبعد قرن عمت فيه الاستنارة في العالم كله، أولئك الشهداء والدعاة المخلصين الذين بذلوا ما بذلوا في سبيل العقيدة الديمقراطية؟ أجل إن الانقلاب العظيم على الوجه الذي تم عليه كان خيانة لآمال الأنبياء الذين بشروا به: روسو وكوندرسيه وروبسبير ومدام رولان ومازيني وكوشوط
53
ومن إليهم، ولكن ألا يصح أيضا أن نقول: إن هؤلاء الأنبياء غلوا من جانبهم وجاوزوا حد المعقول؟ ألا يصح أن نقول: إن الأنبياء حينما تصوروا أن ميل الإنسان للشر لا يلبث أن يزول بزوال النظم التقليدية التي هيأت للشر مجالا للعمل كانوا واهمين؟
وعلى كل حال فالشيء الثابت الذي تبينه الناس قبل انتهاء القرن التاسع عشر هو أن إزالة الظلم القديم والجور القديم لم تؤد في الواقع أكثر من الإفساح لظلم جديد وجور جديد، وأن الناس لما تحققوا من أن الحكومة الديموقراطية على ما هي عليه من تلويث وقهر، لا تزيد على أن تكون نوعا من الحكم أقرب إلى السوء منه إلى الجودة، أصبح الراضون منهم عن عيشهم عديمي التأثر بما كان لتلك الكلمات الخلابة فيما سلف من الزمان «الحرية والإخاء والمساواة» من قوة على بعث الرجاء في النفوس، وأن دين الإنسانية الذي أنشأه القرن الثامن عشر أصابه ما أصاب جميع الأديان بعد أن تبلغ رسالتها، فنزل في نظر الكثيرين إلى مستوى العقائد التقليدية العديمة الروح.
अज्ञात पृष्ठ