मदीना फ़ादिला
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
शैलियों
فإذا هم رفعوا أبصارهم نحو السماء وتأملوا هذا النظام الكامل وأعجبوا به، اهتزوا حمية وشوقا ليماثلوا في أنفسهم الانسجام العام السائد في عالم الطبيعة.
3
وللرغبة في أن تماثل النفس الانسجام الطبيعي العام منبع دائم في قلب الإنسان، ولقد هوت أفئدة القديسين في جميع عصور التاريخ إلى الاتحاد بآلهة أزمانهم، وكان الطريق إلى الاتحاد بالله في العصور الوسطى الصوم والصلاة وحرمان الجسد من ملذاته وقهر «الإنسان الطبيعي».
وجاء في الآثار:
من ذا الذي سيخلصني من الجسد الحال فيه هذا الموت! والجسد - مقام الروح إلى حين - كل ما فيه متنافر، هو لباس من البلى دنس ملوث مطبق على الروح حاجب لها، فلا تجد في أثناء رحلتها الدنيوية وسيلة للاتحاد بالله إلا بعناء، هذا إن وجدت، ولكن أصحابنا أهل الاستنارة اعتقدوا شيئا آخر؛ وذلك أنهم حينما كشفوا عن أعينهم الغطاء، رأوا أن الإنسان الطبيعي والإنسان الروحي ما هما إلا مظهران متباينان لكائن واحد منسجم في ذاته.
وقد تولى جون لوك وضع إرادة الإيمان هذه في قالب عقلي، وتم له هذا في كتابه التاريخي «مقال في موضوع الفهم الإنساني»، الذي أصبح المرجع الأساسي للقرن الثامن عشر في علم النفس، وكان أهم ما أفاده أهل العصر من الكتاب بسطه لقضية المعاني الغريزية، وقد جاء فيه أن العقل لا يحصل على شيء ما من المعرفة بالوراثة، فليست هناك معان غريزية، ولكنه يحصل على المعرفة من وجوده في بيئته، ومن الإحساسات التي تتوالى وتتدفق، ويقول أحد النقاد المحدثين: «إن نظرية المعاني الغريزية التي أثبت لوك فسادها ليست إلا صورة ساذجة ممسوخة من المذهب الحقيقي للغريزية، لدرجة أنه يصعب أن نتصور أن أحدا من رجال الفكر الجادين اعتقد في الغريزية على الوجه الذي عرض له لوك.
52
وقد يكون هذا صحيحا، ولكن الذي يهم تاريخيا هو وجود تلك الصورة الساذجة الممسوخة فعلا، وذيوع أمرها وتصديق الناس لها. والواقع أن الشيء الذي سعى لوك لهدمه، ونال بذلك تهليل القرن الثامن عشر كان العقيدة النصرانية التي تقرر أن الإنسان آثم خسيس بجبلته، وقد تتابعت الأجيال وهذه العقيدة جاثمة على صدر الإنسان، تنقض ظهره كأنها السحابة السوداء تطبق الجو، ثم جاء لوك وقرر أن النفس عند الميلاد تخلو من أي معنى مغروس فيها، وليست في الحقيقة عندئذ إلا كالصحيفة البيضاء من الورق، الخالية من أي نقش، ثم ينقش العالم الخارجي الطبيعي والإنساني على هذه الصحيفة البيضاء جميع المعاني والمبادئ، خيرها وشرها المرقومة في النفس، فإن كان المحيط الخارجي مضطرب النغم، متنافر الألحان، فالنفس تكون كذلك، ولو تحقق ما ينبغي أن يتحقق - وليس ذلك بعزيز - فاستقام النغم وانتظم اللحن، فإن النفس تستقيم أيضا. هذا ما انتهى إليه لوك، وبه نال ما نال من علوم الصيت في عصره، وقد قدر له معاصروه أنه هيأ لهم أن يصدقوا ما كانت أنفسهم تواقة لتصديقه دون أن يخدعوها أو يكلفوها ما لا تطيق، هيأ لهم أن يصدقوا أن الإنسان ونفس الإنسان تسويهما وتصورهما الطبيعة، والطبيعة خلقها الله فلبني الإنسان إذن المقدرة على أن ينشئوا بين النظام الطبيعي العام وأفكارهم وأفعالهم توافقا وانسجاما لا يقتصر على الأفكار والأفعال فحسب، بل يمتد أيضا إلى مختلف أنظمة الحياة، «ولا يحتاجون لبلوغ هذا لأكثر من استعمال ملكاتهم الطبيعية.»
53
وقد رحب عصر الاستنارة بهذا المذهب أيما ترحيب، وآمن به إيمان بساطة وتصديق، ونهض الناس شجعانا متسامين وتنادوا: هلموا إلى العمل، فقد صار في الإمكان أن نشكل كل شيء من جديد طبقا لقوانين الطبيعة وقوانين رب الطبيعة.
अज्ञात पृष्ठ