वैज्ञानिक और सामाजिक चर्चाएँ
مباحث علمية واجتماعية
शैलियों
بل أهل السجون هم مرضى بالمعنى الحقيقي؛ مرضى في عقولهم، مرضى في شهواتهم، مرضى في إرادتهم، مرضى في قوتهم المتصرفة. فمعلوم لكل ذي عقل، ولا نحتاج إلا إقلاق العلماء والاستشهاد بأقوالهم لإثبات ذلك، أن أصحاب الجرائم قسمان؛ قسم يرتكب الجرم بقصد الكسب أو شهوة أخرى، وقسم يرتكب الجرم مندفعا إليه بأسباب أقوى منه من دون أدنى روية أو تبصر في العواقب. فالأول يسرق ويقتل ويرتكب الفحشاء، ولا يستطيع القضاء غالبا أن يمد إليه يدا؛ لأنه عاقل يتخذ الاحتياطات اللازمة لستر جريمته. فهذا المسئول عن عمله، والذي يجب على القضاء أن يعاقبه، فليبحث عنه لا في السجون وعلى مصاطب المحاكم، بل في القصور على فاخر الريش ووثير المهاد. فالمجرمون ليسوا كلهم في السجون، كما أن المجانين ليسوا كلهم في المارستانات، وليس منهم في السجون إلا المرضى بالمعنى الحقيقي. فعوضا عن أن نعاملهم كما يعامل إخوانهم في المستشفيات، نرانا شاهرين فوق رءوسهم سيف ديموقلس، أي سيف النقمة، للاقتصاص منهم، وهم أولى برحمة الطبيب. •••
أقول أولى برحمة الطبيب ولا أبالغ، ولو عارضني معارض لهب لنصرتي من أرباب العلم والذكاء ألوف، كل واحد بمقام آلاف من أبي الطب أبقراط المتوسد في قبره من عصور طويلة، إلى شركو وبال ولمبروزو من مشاهير علماء هذا العصر، وأتباعهم الذين يعدون اليوم بالآلاف، وخصوصا هذا الأخير الذي يرأس المدرسة الحديثة التي تبحث عن طبائع المجرمين. فلنسمع ماذا يعلمنا شركو عن متشيطني الأمس ومصروعي اليوم الذين كثيرا ما يصيرون مجرمين؛ فقد كان الناس في العصور الخالية يعتبرون الهستيريات (أي المصابات بالهستيريا، وهو مرض عصبي، واللواتي يصنعون لهن الزار في هذه البلاد) أن بهن شياطين، فكانوا يحاولون إخراج هذه الشياطين بكل ما لهم من الوسائل الدينية والسرية، فإن لم تنجح عمدوا إلى تعذيب الأجساد التي كانوا يزعمون أن الشياطين حالة فيها بكل أنواع العذاب، كالجلد والصلب والتقليب على شوك الحديد والحريق بالنار، بعد أن كانوا يقيدونها بسلاسل الحديد ويلقونها في أعماق السجون المظلمة. هذا ما كان يفعله رجال الدين ورجال السياسة بمثل هؤلاء المساكين قبل شركو ومن تقدمه من أفاضل المصلحين، وما كان عدد المتشيطنين ليقل بهذه المعاملة الوحشية. وأما اليوم فمن فضل شركو الذي أفاد الإنسانية من هذا القبيل في سنين قليلة أكثر من كل الشرائع قبله، صاروا يعتبرونهن من طائفة المرضى الذين يجب الرفق بهم، ومعالجتهم في المستشفيات البالغة الغاية القصوى من الإتقان، وما زاد عدد المتشيطنين بهذه المعاملة الحسنة، بل قل جدا؛ مما يدل على أن الشياطين أنفسهم يذعنون للمحاسنة أكثر منهم للمخاشنة. •••
و«بال» يعلمنا أن المجانين ليسوا كلهم في المارستانات؛ فإن أفعال العقل المختلفة قد تختل من جهة مع بقاء الجهات الأخرى سليمة، مما يمكنهم أن يعيشوا بين الناس بحالة لا تختلف ظواهرها عن حالة العقل السليم. فإذا طرأ عارض هيج الجانب الضعيف ظهر الاختلال في العقل، وربما جر ذلك صاحبه إلى ارتكاب الجناية، وسيق إلى المحاكم. قال «ماريليه»: «يوجد بين الذين تحكم عليهم المحاكم عدد كبير من المختلي الشعور، وإذا دققنا النظر نجد أن أكثر الجرائم صادرة عن أناس غير مسئولين؛ فالمعتوهون وضعفاء العقول، والذين بهم حئول وراثي، وأصحاب الصرع، وأصحاب الهذيان المزمن، قد يصيرون مجرمين إذا عرضت لهم الفرص بسبب ما بهم من الخلل في القوى العقلية، وهذه الفرص كثيرا ما تعرض لهم فيغتنمونها.»
ولا ريب بأنه سيكون للمبروزو في المستقبل في إصلاح المجرمين نفس الفضل الذي كان لشركو في معاملة أصحاب الأمراض الهستيرية. ولا نبعد كثيرا عن الزمان الذي سيضطر فيه القضاة أن يتمموا دروسهم الشرعية بالإقامة، ولو سنة في مستشفيات الأمراض العصبية، ليروا بأعينهم ويجسوا بأصابعهم أوجاع الإنسان؛ ليعرفوا كيف يجب أن يحكموا فيها. •••
والحاصل مما تقدم أن القضاء ما دام أساسه العقاب، وما دامت السجون لا تتحول إلى مدارس تعلم فيها الصناعات وتهذب فيها الأخلاق، وتتحول فيها قوى المجرمين إلى منافع، وإلى مستشفيات يعالج فيها مرضى الاجتماع كما يعالج فيها مرضى الأجسام، مدارس ومستشفيات بالغة الغاية القصوى من الإتقان؛ فهو عار على الإنسانية، وعقبة كبرى في سبيل إصلاح الهيئة الاجتماعية.
المقالة الرابعة عشرة
«القضاء على القضاء»
1
استئناف
العادة أن الكاتب إذا نشر شيئا في إحدى الصحف، ولو كانت سيارة، يمس شخصا آخر، سواء كان انتقادا أو مدحا أو طعنا، أن يرسل نسخة من العدد المنشور فيه ذلك إلى صاحب الشأن؛ افتراضا منه أنه غير مشترك في تلك الجريدة، أو تنبيها له إذا كان مشتركا.
अज्ञात पृष्ठ