وهذا النوع ينقسم ثلاث أصناف عرابي، ويماني، وبختي فاليماني هو النجيب وينزل منها منزلة العتيق من الخيل، والعرابي كالبرذون، والبختي كالبغل، ويقال البخت ضأن الإبل وهو متولدة عن مني العرابي فقط فإن مني البختي ينجب فكأنه حصل له نصف بلية البغل، فأما النجيب فزعم من حكي قول الجاحظ أن في الإبل ما هو وحشي، وأنه يسكن أرض وبار وهي غير مسكونة، وقالوا ربما ند الجمل في الهياج فيحمله ما يعرض له منه على أن يأتي أرض عمان فيضرب في أدنى هجمة من الإبل، فالمهربة من ذلك النتاج، وتسمى الإبل الوحشية) الجوش (ويقولون: أنها بغايا إبل عاد وثمود، ومن أهلكه الله من العرب العاربة، وأما البخت منها ما هو مثل البراذين، ومنها يجمز جمزا، ويرقل ارقالا والجمز في الإبل كالخبب في الخيل، وحكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل أن أول من ريضت له الإبل على الجمز، أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، لما حجت، وقال الجاحظ: إذا ضربت الفوالج في العراب جاءت هذه الجوامز والبخت الكريمة، وفي البخت ماله سنامان في طول ظهره كالسرج، ولبعضها سنامان في عرض ظهره أحدهما ذات اليمين والآخر ذات الشمال، وقد يشق عن سنان البعير ويكشط جلده، ثم يجتث من أصله، كما يفعل بعض الناس ذلك بالكباش في قطع آلياتها إذا عظمت وعجزت عن النهوض بها، ويقول أصحاب السير لطبائع الحيوان أنه ليس شيء من الفحول مثل الجمل عند الهياج للسفاد من الازدياد، وسوء الخلق وهجران المرعى، وترك الماء حتى ينظم ايطلاوه، ويتورم رأسه، ويكون كذلك أياما كثيرة، وهو في هذا الوقت لا يدع إنسانا، ولا جملا يدنو منه، ولو حمل على ظهره حينئذ مع امتناعه عن الطعم ثلاثة أضعاف تحمله، وهو لا ينزو إلا مرة واحدة يقيم فيها النهار أجمع ينزل فيها مرارا كثيرة يجيء منها ولد واحد ويخلو في البراري حالة النزو ولا يدنو منه أحد غير راعية الملازم له، وذكره صلب جدا، إلا أنه من عصب، والأنثى تحمل أثني عشر شهرا، وتلقح إذا مضى عليها ثلاث سنين، وكذلك الذكر ينزو في هذه المدة ولا ينزو عليها إلا بعد أن تضع بسنة، وفيه من كريم الطباع أنه لا ينزو على أمهاته ولا أخواته، ومتى حمل على أن يفعل حقد على أن يفعل حقد على من يلزمه ذلك حتى يقتله، وليس في الحيوان من يحقد حقده، ومن حقده أنه يرصد من حقد عليه الفرصة والخلوة لينتقم منه، فإذا أصاب ذلك لم يبق عليه، وفي طبعه الاهتداء، والغيرة، والصولة، والصبر على الحمل الثقيل، ويقال: إن البعير إذا صعب وخافته رعاته، استعانوا عليه فركبوه، وعقلوه حتى يكومه فحل آخر، فإذا فعل ذلك ذل، والإبل تميل إلى شرب الماء الكدر الغليظ وهو الماء النمير، فهي أبدا إذا وردت من مياه الأنهار حركتها بأرجلها حتى تتكدر وهي من عشاق الشمس ولهذا ترى أبدا تضور إليها من أي جهة كانت من المشرق أو المغرب، ويعتري الجمل من الأمراض داء الكلب، فإذا أصابه ذلك نحر ولم يؤكل لحمه، والجمل يكون سنامه مثل الهدف فيكشط عنه جلده ويجتث من اصله بالشفار ثم يعاد عليه ويداوي فيبر ومن عجيب حاله أنه يقبض على أم غيلان، والسمر وعليها شكوك كصياصي البقر فيستمريء بها ويجعلها ثلطا ولا يقوى على هضم الشعير المنقع وهو يتعرف على النبات المسوم بالشم مرة واحدة عند رعيه، فيجتنبه ولا يغلط إلا في البيش وحده، ويعيش على ما زعم أرسطو ثلاثين سنة في الغالب وقد رأى منها ما عاش مائة سنة، ومن عجيب ما ذهبت عليه العرب في الإبل أنهم كانوا إذا أصاب ايبهم العر، كووا السليم ليذهب العر على السقيم، فهم سقموا الصحيح من غير أن يبرءوا السقيم وكانوا إذا كثرت إبل زحدهم، فبلغت الألف فقأوا عين الفحل، فإن زادت على الألف فقأوا عينه الأخرى، ويزعمون أن الفقأ يطرد عينهم العين.
الوصف والتشبيه
حكي عن بعض المعظمين من شأنها، ما اقتنعت العرب ما لا خيرًا من الإبل، إن حملت أثقلت، وإن سارت: أبعدت، وإن حلبت أردت، وإن نحرت أشبعت، وما أظرف قول القائل:
جمال معيشة الساعي ... جمال تدمن الحركة
إذا بركت بباب الدار ... ألقت برجلها البركة
وصف سيرها، قال ذو الرمة يصف ناقة:
كأن راكبها يهوي بمنخرق ... من الجنوب إذا ما ركبها نصبوا
تشكو الخشاش ومجرى النستعين كما ... إن المريض إلى عواده
الوصب
1 / 57