258

مع المشككين في السنة

مع المشككين في السنة

संपादक

فاروق يحيى محمد الحاج

शैलियों

وقال المازري: «وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثابتة (^١)، وزعموا أنه يحطّ منصب النبوة ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل. وزعموا أن تجويز هذا يُعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، ولعله يتخيل إليه جبريل ﵇ وليس ثَمّ ما يراه، أو أنه أوحى إليه وما أوحي إليه. وهذا الذي قالوه باطل؛ وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله سبحانه وعلى عصمته فيه، والمعجزة شاهدة بصدقه. وتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان رسولًا مُفضّلًا من أجلها هو في كثير منه عُرضة لما يعترض البشر، فغير بعيد أن يُخَيَّلَ إليه في أمور الدنيا ما لا حقيقة له» (^٢).
ثالثًا: ثبت في روايات هذا الحديث وغيره: أن الذي كان يُخَيَّلَ إلى النبي ﷺ أنه يفعله ولا يفعله هو: إتيانه للنساء، ومن تلك الروايات:
١ - في "صحيح البخاري" في كتاب الطب باب هل يَسْتَخْرِجُ السحر (٥٧٦٥): عن عائشة ﵂ قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ. قَالَ سُفْيَانُ (^٣): وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا) (^٤).
٢ - أخرج ابن سعد عن ابن عباس ﵄: (مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأُخِّذَ عَنِ النِّسَاءِ وَعَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ) (^٥)، الحديث، وذكر فيه قصة سحره.
والمعتمد في هذا: إنما هو على رواية عائشة ﵂؛ فإنها أصح. ولا مانع كذلك أن يحبس ﵊ عن الطعام والشراب؛ فإن السحر كان قد تسلَّط على جوارحه الظاهرة -كما تقدم- حتى أضعفه وأمرضه، فيكون ذلك بسبب هذا.
وبهذا يتضح معنى قول عائشة ﵂ في الرواية الأخرى: (حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ) (^٦) أنه هو: إتيانه للنساء من عدمه. والأحاديث يفسِّر بعضها بعضًا كالآيات، والتفسير بالوارد خير أنواع التفاسير عند العلماء. قال العراقي في فصل "غريب ألفاظ الحديث" من ألفيته:
«وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ ... كَالدُّخِّ بِالدُّخَانِ لاِبْنِ صَائِدِ» (^٧)

(^١) يعني: بسبب آخر.
(^٢) المعلم بفوائد مسلم للمازري (٣/ ١٥٩).
(^٣) هو: سفيان بن عيينة أحد رجال سند الحديث.
(^٤) صحيح البخاري، كتاب الطب، باب هل يَستخرج السحر (٧/ ١٣٧)، رقم (٥٧٦٥).
(^٥) الطبقات الكبرى لابن سعد (٢/ ١٥٣). قلت: وسنده ضعيف جدًا.
(^٦) صحيح البخاري. وقد تقدم.
(^٧) ألفية العراقي (ص:١٦١).

1 / 257