فجاءني صاحبي عقب فراقه، فوجدني باكيًا لبعده وانطلاقه، وقال: تهنئك ليلتك الغراء، وعيشتك الخضراء.
فقلت: والله ذهب ما كنت فيه من السرور، وقد وقعت الآن في أضيق الأمور، فلو دام لي الوصال ألفي عام على التحقيق، ما كان يفي بساعة التوديع والتفريق:
يا مَنْ سَلَبوا بينهم مجموعي ... قلبي وحشاي ذابَ بالتَّقطيعِ
لو دامَ لي الوصالُ ألفَيْ سنةٍ ... ما كان يفي بساعة التَّوديعِ
وبقيت أتذكر ليلتي فأبكي وأنوح، وأغدو في عرصات الدار وأروح، فجزى الله عني تلك الليلة أفضل الجزاء، ولولا طيبها لكانت تعد من الليالي الطوال، (ولله در القائل حيث قال):
جزى الله بالحُنسى ليالي أقبلتْ ... إليتا بإيناسِ الحبيب الُمسامِرِ
ليالي كانتْ بالسُّروُر قصيرةً ... ولم تكُ لولا طولُهَا بالقصائرِ
فيا لكَ وصلًا كان وشكُ انقصائه ... كزَورِة طَيف أو كَنُفْيَةِ طائرِ
وهاأنا أتمنى عودة حلاوة ليلتنا السالفة، لأن قلبي بها دَنِ فٌ وروحي عليها ناطفة، ودمعي في صحن خدي سكب ونفسي بالبعاد تالفة، وقد صرت بعدها تبعًا وأنا في الحقيقة خاص، وبقيت لفقدها متيما ولات حين مناص.
فلو عادت تلك الليلة لأحيت ميت الأحياء، ولنوهت بقدرها بين الأقوام والأحباء، فيا لله ما أعجل ما تقضت تلك الليلة بالوصال، فلقد قنعت منها اليوم إن نلت
لياليها بالخيال:
1 / 75