وافى وقد أبدى الحياَء بوجهه ... وصُدُوده في القلب نارٌ تحرقُ
أمسى يُعاطيني الُمدام وبيننا ... عَتَبٌ أرقُّ من النَّسيم وأروقُ
حتَّى إذا عَبّثَ الكَرَى بجُفُونه ... كأنَّ الوسادةَ ساعدٌ والمرفقُ
حتَّى بدا فَلَقُ الصَّباح فراعني ... إنَّ الصَّباحَ هُو العدُوُّ الأزرق
فهناك أومأ للوداع مُقَبِّلًا ... كَفِّي وهي بذيله تتعلَّقُ
يا مَنْ يُقِّبلُ للوداع أناملي ... إنَّي إلى تقبيل ثغركَ أشوقُ
فتولى وتلوى وتفرد وتثنى، وأجرى في المعنى على ذلك المعتاد دمع المعنى، فعلم أغصان النقا كيف تميد وتميل، وعلمت أنا ورق الحمام، كيف تنوح وتطيل:
تثَّنى وأغْصَانُ الأراك نواضرٌ ... ونحتُ وأسرابٌ من الطَّير عْكَّفُ
فَعَلَّمَ باناتِ النَّقَا كيف تنثني ... وعلمتُ وَرْقَاَء الحِمَى كيف تهتفُ
وخلفني ومضى، وتركني على جمر الغضا، وغادر قلبي بنار حره وقد أشغل وأشغل، وقال: لابد من زيارتك إن كان في العمر مهل، فاخذ القلب معه وسار، فبقيت لا أعرف الفرح والمسار، فأودعته المهجة وقت الوداع، فشاع الوجد عليها
وذاع، ورمى القلب لتذكاره وبعده بحرقتين، وقسمت أدمعي عليه عند الفراق فرقتين:
ساروا وسارَ القلبُ إثر حُمُولَهِم ... رهنَ الصَّبابة لا يفيقُ ولا يعي
أوْدَعْتُهُم مُذ ودَّعُوني مهُجةً ... فَغَدَوْتُ فاقدَ موُدِعي ومُوَدَّعي
وقَسَمتُ دمعي فرقَتْين فشطُرُه ... للظاعنين وشطره للأربعِ
1 / 74