يا هاجري ظُلْمًَا بغير جنايةٍ ... ما هكذا شرط المحَّبة بينناَ
قَّيدْتَ طرفي مُذ تسلسلَ دمعُهُ ... وجستَ نومي فالأسيرُ إذًا أنا
لا تحمِ قَدَّكَ عن حنايا أضلُعي ... كم لذَّةٍ بين الحَنَا والُمنحنى
علَّمتني كيفَ الغرام ولم أكن ... أهوى الهوى فرأيتُ صعبًا هيَّنا
فقال: يهون إن شاء الله ولا يصعب، ويرغب القلب في الاجتماع ولا يعزب، ويطلع بدر اللقاء في أفق الوصال ولا يغرب، ويبيت قمرك في صدرك ولا يغرب، فلم أعاتبك إلا من باب اللعب والمجون، وإن اتخذت صاحبًا سواك إني إذًا لمجنون، فوالله، ليس في قلبي محبة لسواك، وإن أظلمت بالفراق صباحك لأشرقن بالوصال مساك، وقد كابدت أيها الصب الصبابة، ولم أصرح وعندي من الصبر لبابه:
ألِفنا التَّجا في واطمأنَّت قُلُوبنا ... عليه وهذا آخر العهد بالصَّبرِ
وإنْ واصلَ المحبوبُ وارتفعَ العنا ... وطالَ زمانُ الوصل لاشتقتُ للبحرِ
فلما سمعت در كلامه، وفهمت رونق نظامه، زاد وجدي وغرامي، وتضاعف حنيني وهيامي، وكدت أطير من الفرح والسرور، وكاد فؤادي يلحق بملحقات الطيور.
فقلت: يا قرة العين الساهرة، وقرار القلوب النافرة، شفيت نفسًا أشرفت على التلف، وأنعشت قلبًا أودي به وارد الأسى والأسف، ورفعت أملا كان في الحضيض فنال الشرف، وأحييت روحًا أماتها الهجر والصدود، ونفسًا لازمها الهم فلا يجوز أن يجوز عليها ولا يجود، فاستدركت ما بقي من رمقها، وخلصتها من لوعاتها وحرقها، وسقيتها، فعادت مخضرة الأوراق يانعة الأزهار، متمايلة بنسمات الوصال وقرب المزار:
1 / 58