كما عندنا؟ وهل أحسنت تلقينا؟ وليتك لقيت من الصبابة كما لقينا، وكيف صرت حين قدمنا؟ وهل عدمت الجلد كما عدمنا؟ أم قتلك الوجد فأخرس لسانك، وغلبك الهوى فسلبك بيانك؟ خبرني عن أصل ضمائرك، واشرح لي كنه سرائركَ.
فأنشدت وقلبي طائحٌ وطائر، وعقلي حائم وحائر، ووجدي جائد وجائر، وطرفي ساهد وساهر، ودمعي سائل وسائر:
لم أنسَهُ لَّما بدا متُمايلًا ... يهتزُّ من طيب الصّبا ويقولُ
ماذا لقيتَ من الجَوىَ فأجبُتهُ ... في قصَّتي طُولٌ وأنتَ مَلُولُ
فتبسم عن نظيم الدر المكنون، ورمقني بعين تحار فيها العيون، وقال: والله، إن غيرك لا يراع ولا يراد ولا يرام، وأنت عندي لا تضاع ولا تضار ولا تضام، ولمثل ودك لا يقاس ولا يقال ولا يقام، ولمثل سرك لا يذاع ولا يزال ولا يذام،
فإن صدقت قول الوشاة فماذا منك بجميل، وإن زعمت بأني مللت حديثك، فبالله، قل لي إلى من أميل:
صَدَّقْتُمُ قولَ الوُشاةِ وقد مضى ... في حُبّكم عُمري وفي تكذيِبها
وزَعَمْتُم أنَّي أمَلُّ حديثكُم ... مَنْ ذا يملُّ من الحياة وطيبِها
أما أنا، فشوقي إليك متزايد، ونفسي لبعدك متصاعد، ولومي بعد بعدك طويل، ونومي من بعد غيبتك قليل، ما أتيتك إلا وقد ضاق صدري من الفراق، وسئمت من سيل الدمع المهراق، فلو علمت ما بي لعجلت نحوي المسير والسباق، وأتيتني كسرعة البرق، ويجل هنا ذكر البراق:
1 / 54