أين أباؤكم وأبناؤكم؟ أين أحبابكم وأقرانكم؟ أين من كان يصاحبكم ويجالسكم؟ أين من كان معكم في الأيام الماضيات؟ أين فرعون وهامان؟ أين شداد ونوشيروان؟ أين بخت نصر واسكندرالزمان؟ أين الحكيم لقمان والنبي سليمان؟ هل منع أحد ملك الموت؟ هل دفعت القوة والسلطنة عنهم الفوت؟ لم يبق منهم اسم ولا رسم إلا الباقيات الصالحات، والذي نفسي بيده لا يترك ملك الموت أحدا بارا كان أو فاجرا، عاش أدم ألف سنة ثم ارتحل من الدنيا هاجرا، وعاش نوح أزيد من ألف سنة فلما جاءه الموت لم يستأخر زمانا ولا آنا، ولو أنه بقى أحد في الدنيا لبقى نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صاحب الآيات والمعجزات، قد خيره الله بين أن يختار زهرة الدنيا وبين أن يختار ما عند الله تعالى، فاختار ما عنده وآثر على الحياة الممات، وقد ورد في الأخبار عن الأئمة الكبار أنه آتاه جبريل، فقال: يا نبي الله الجنة لك تزينت، وأبواب النيران غلقت، والحور العين لك انتظرت؟ فقال: يا جيريل ما حال أمتي بعدي من العصاة، فطار الملك الجليل إلى الملك الخليل، وعاد إليه، وقال: إن الله يقول: أغفر منهم من تاب قبل موته بشهر، فقال يا جبريل من يعلم أن حياتي باق، فذهب جبريل وعاد إليه، وقال: إن الله يقول أتجاوز عنهم إن تابوا قبل ثمانية أيام، فلم يرض به وأعاده، فعاد وجاء بأن الله يقول: أغفر إن تابوا قبل الغرغرة، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم: وأذن ملك الموت لقبض روحه، فلما اشتد عليه، قال: يا ملك الموت خفف على أمتي سكرات الموت، فإن للموت سكرات فقال: يا نبي الله افرح فلا أشدد على أمتك ففرح وأذن، فطار روحه المعلى إلى العرش الأعلى، واتصل الحبيب بالرفيق الأعلى(1)، وكان ذلك يوم الاثنين الثالث(2) عشر من شهر ربيع الأول على أصح الروايات، فعند ذلك أظلمت الدنيا، وبكت الأرض والسماوات فوامصيبتاه على رحلة الشفيع المشفع لو صبت على الأيام، صرن ليالي مظلمات.
إخواني من أنا وأنت يا مسكين كيف بك إذا اشتدت عليك سكرات الموت، وأحاطت بك الحسرات، فليتنبه العاقل، وليتب مما كسب من الخطيئات.
اللهم يا من بيده ملكوت الأرض والسموات نحن عبادك العصاة فلا تعد بنا بذنوبنا وأدخلنا مع حبيبك الروضات العاليات.
والحمد لله العلي الحليم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {والذين ءامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات}(3).
الخطبة الأولى للجمعة الثالثة من شهر ربيع الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القدير الأكبر، المالك الحكيم الذي خلق كل شيء وقدر، وخلق الأرض والسماوات وما بينهما وبحكمته دبر، أحمده على أن قسم المخلوقات على طبقات وجعل أفضلها البشر، وأشكره على أن كرمهم بشريف الخطاب، وسهل لهم طريق الصواب ويسر.
पृष्ठ 43