قلت: «بالطبع.»
قال: «ولكل حالة خصوصيتها.»
قلت: «مؤكد.»
قال: «في حالتك أنت - التي تابعتها باهتمام - ليس هناك أقصى ولا أقسى من الأكل.»
تساءلت في دهشة: «الأكل؟! من يأكل؟! وماذا يأكل؟»
تأملني برهة، ثم قال بتؤدة وهو ينحني ليرفع مقعده: «أنت تأكل نفسك.»
اختفى بمقعده داخل القاعة بعد أن أغلق بابها خلفه، وتركني وحيدا في الممر الكابي الضوء. انتظرت عودته كي أستزيد من معلوماته، لكنه غاب طويلا، فقررت الانصراف. مضيت في دهاليز خالية ووقع أقدامي يتردد خلفي، إلى أن غادرت المبنى.
انطلقت في الشوارع على غير هدى وأنا أنقل البصر في شرود بين وجوه المارة وواجهات المحلات ومداخل البيوت، ومع ذلك أمكنني أن ألحظ كيف استسلمت الغالبية لإغراء البحث عن الثراء والسعادة؛ فقد كانت صناديق «الكوكاكولا» في كل مكان يقف الجميع خلفها، من بقالين وبوابين ونجارين، بل وصيادلة.
شعرت بالعطش فتوقفت أمام أحد الباعة الذي ترك دكانا خالية إلا من صناديق الزجاجات، وشغل الرصيف بثلاجة كبيرة منزوعة الغطاء ، تكأكأ حولها العطشى.
كانت الثلاجة مليئة بالزجاجات السابحة في المياه. وبدا البائع في حال من النشوة وهو يلتقط الواحدة منها بحركة خاطفة، ويرفعها نحو الأيدي الممدودة إليه، وقبل أن تلمسها يد منها يكون قد نزع سدادتها بالفتاحة الجاهزة في يده الأخرى، وأسرع يتناول واحدة جديدة.
अज्ञात पृष्ठ