بدا على وجوههم الاهتمام، وأدركت أني أثرت فضولهم إلى أقصى حد، فتابعت: «أقبلت أجرب كافة المناهج المعروفة دون أن أصل إلى شيء. وذات يوم كنت أفكر في الأمر عندما قلت لنفسي: إن مشكلة هذه الظواهر والألغاز أنها لا تتصل بمجال واحد من مجالات الحياة، وإنما تمتد إلى مجالات متنوعة؛ ومعنى هذا أن «التنوع» هو طابعها الأساسي.
وهنا تذكرت إحدى النتائج الهامة التي توصلت إليها في بحثي عن «الدكتور»؛ وهي مساهمته في تطوير اللغة العربية بابتكار اشتقاقات جديدة من كلمات عادية، منها ذلك المصطلح الفذ: «التنويع»؛ ففيه وجدت ضالتي.»
تحدث العضو البدين لأول مرة، وهو الذي كان يرتدي سترة بيضاء في مقابلتي الأولى باللجنة، وقد استبدلها الآن بأخرى من القطيفة الحمراء.
قال: «هل يمكن أن تعطينا مثالا لما تعنيه؟»
أجبت: «هذا ما كنت أنوي أن أفعله حالا، وسأتخذ لمثالي موضوعا مألوفا لنا جميعا هو «الكوكاكولا»؛ فهناك الكثير من الظواهر الغامضة التي ترتبط بتطور هذه الزجاجة الشهيرة.
وعلى سبيل المثال، فقد قرأت عن حملة واسعة ثارت في الولايات المتحدة عام 1970م حول سوء معاملة ربع مليون من العمال الموسميين في المزارع التابعة لشركة «الكوكاكولا». أقول المزارع لا المصانع. وقد انتقلت هذه الحملة إلى التليفزيون ومنه إلى قاعات الكونجرس، وقام السيناتور والتر مونديل، عضو لجنة العمال الموسميين به في ذلك الوقت، باستدعاء رئيس «الكوكاكولا» ليجيب رسميا على الادعاءات الموجهة إلى شركته، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي.
ولم تمض ثلاث سنوات حتى كان رئيس «الكوكاكولا» يشارك في اختيار مونديل هذا لعضوية اللجنة الدولية التي حدثتكم عنها في لقائنا الأول، ثم ليكون نائبا للرئيس الأمريكي كارتر.
وفي نفس الوقت الذي نجدها متهمة بابتزاز حفنة دولارات من عمالها، نقرأ أنها خصصت مبالغ طائلة للأعمال الخيرية والثقافية التي تمتد من إدارة جامعة كاملة ، إلى جائزة هامة للإبداع الفني والأدبي، ومنحة ضخمة قدمتها عام 1977م لمتحف بروكلين الأمريكي ليعمل على إنقاذ آثار الفراعنة المصريين من الانهيار.
وبينما تمثل مياه الحنفية المنافس الوحيد لها الآن (فهي توزع 200 مليون زجاجة يوميا في العالم حسب إحصائيات عام 1978م)، نراها ترعى مشروعا لإزالة ملوحة مياه البحر تقوم به شركة «أكواشيم» التي اشترتها «الكوكاكولا» قبل عدة سنوات وبالتحديد عام 1970م.
أثارت هذه المتناقضات حيرتي فقمت بأبحاث عدة علمت منها أن شركة «الكوكاكولا» ظلت منذ نشأتها أمينة لمبدأين أساسيين، وضعهما مؤسسوها العظام؛ المبدأ الأول: هو أن يصبح كل مشترك في مغامرة «الكوكاكولا» غنيا وسعيدا. والمبدأ الثاني: هو أن يقتصر نشاطها على إنتاج سلعة واحدة هي الزجاجة المعروفة.
अज्ञात पृष्ठ