لم يكن هناك مقعد غير الذي يجلس عليه الحارس، فوقفت إلى جواره، ووضعت حقيبتي «السامسونايت» على الأرض، ثم قدمت إليه سيجارة وأشعلت لنفسي أخرى. كان قلبي يدق بعنف طيلة الوقت، رغم محاولاتي للتماسك والسيطرة على أعصابي. وكررت لنفسي أكثر من مرة أن اضطرابي سيفقدني الفرصة المتاحة لي؛ إذ سأعجز عن تركيز انتباهي وهو ما أحتاج إليه بشدة في المقابلة القادمة.
ضقت بالوقوف بعد قليل، فحملت الحقيبة في يدي، ومضيت في الردهة الطويلة حتى نهايتها، ثم استدرت عائدا وعيني على باب الغرفة؛ خشية أن تكون اللجنة قد وصلت واستدعتني. لكن الحارس كان ما يزال جالسا في مكانه، يحدق أمامه بدعة، وهو يحرك فمه الخالي من الأسنان كأنما يلوك شيئا وهميا.
عدت أذرع الطرقة جيئة وذهابا وأنا أتطلع إلى ساعتي بين الفينة والأخرى. وكانت عقاربها قد اقتربت من العاشرة والنصف عندما رأيت الحارس ينتفض واقفا ويضع سيجارته على الأرض أسفل المقعد، ثم يدير مقبض باب الغرفة ويفتحه بحذر، ثم يختفي وراءه.
أسرعت أتخذ مكاني إلى جوار مقعد الحارس وقلبي يدق أسرع من ذي قبل. وتوقعت أن يطلب مني الدخول عندما يخرج، لكنه لم يفعل، وإنما عاد إلى كرسيه بعد أن تناول سيجارته، وواصل التدخين في هدوء.
حزمت أمري أخيرا وسألته بلطف عما إذا كانت اللجنة قد وصلت، فقال: «واحد منهم فقط.»
تساءلت: «لكني لم أر أحدا يدخل الغرفة؟»
أجابني: «هناك باب آخر يدخلون منه.»
بقيت واقفا إلى جواره نصف ساعة، تتابع خلالها وصول أعضاء اللجنة عن طريق الباب الداخلي. ومضى الحارس عدة مرات إلى البوفيه ليحضر لهم القهوة. وفي كل مرة كنت أحاول اختلاس النظر داخل الغرفة، لكنه كان يحرص دائما على ألا يكشف الباب إلا عن فرجة يسيرة تسمح له بالدخول، بعد أن يحشر نفسه خلالها دون أن تكشف لي عن شيء.
وفي إحدى المرات برز من الغرفة وهو يحمل في يده حذاء جلديا، ونادى على ماسح أحذية يقف في نهاية الردهة فأعطاه الحذاء. وعندما أراد هذا أن يقتعد الأرض قرب الباب، نهره الحارس وأشار إليه أن ينتحي بعيدا حيث كان يقف.
عاودت السير وأنا أنقل حقيبتي من يد إلى أخرى. كنت متعبا لأني لم أنم جيدا بالأمس رغم الحبة المنومة التي تناولتها؛ ولهذا السبب كان هناك صداع خفيف يحوم عند مؤخرة رأسي. ولم أكن قد حسبت حسابا لهذا الطارئ، رغم أني لم أفعل شيئا طوال العام الماضي كله سوى الاستعداد لاحتمالات اليوم. ولم أجرؤ على مغادرة مكاني بحثا عن مسكن خشية أن تستدعيني اللجنة خلال ذلك.
अज्ञात पृष्ठ