مضيت إلى المطبخ وهو خلفي، فملأت عدة زجاجات وأواني بالمياه من أجل الشرب والطهي. وأحكمت إغلاق صنبور أنبوبة الغاز. وأوشكت أن أقوم بجولتي المعهودة قبل النوم، التي أغلق فيها النوافذ، وأحكم رتاج الباب الخارجي، لكني تداركت نفسي عندما تبينت أنه ليس ثمة ما أخشاه - هذه الليلة على الأقل - من الخارج.
عدنا أخيرا إلى الغرفة الداخلية، فأخرج من حقيبته منامة حريرية مزركشة. واقترحت عليه أن يستبدل ملابسه في الحمام، أو أغادر الغرفة حتى يفعل. ومن الطبيعي أنه ما كان ليوافق، أما أنا فلم أعبأ بالأمر؛ لأني لا أجد غضاضة في أن أتعرى أمام رجل مثلي، فما بالك إذا كان هذا الرجل على معرفة سابقة بأكثر أجزاء جسمي حميمية؟!
لكني لم أكد أخلع ملابسي الخارجية وأقف أمامه بالقميص والسروال الداخليين ، حتى شعرت بالحرج عندما تطلع إلي. ولم أملك أن اختلست النظر إلى فخذيه العاريين، فهالني امتلاء ما بينهما، وقدرت أنه إما أن يكون مصابا بفتق قديم، تدلت معه أمعاؤه في الخصية، أو أنه قد حوبي، عند خلقه، بشيء من السخاء غير المألوف.
أردت أن أثير موضوع الرقاد من جديد، فقلت في انفعال مفاجئ: «ربما تحب أن تقرأ قبل النوم؛ وفي هذه الحالة لا بد أن ينام كل منا في حجرة لأن النور يزعجني، وأريد أن أنام على الفور.»
قال بهدوء: «لا تقلق. لن أقرأ شيئا؛ فأنا أيضا أريد أن أنام الآن.»
تقدمت من الفراش بخطى متثاقلة، وسمعته يطلب مني بنفس الصوت الهادئ أن أسبقه داخل الفراش كي يرقد هو على طرفه الخارجي، فانصعت لرغبته، واستلقيت على ظهري إلى جوار الحائط. وما لبث أن انضم إلي بعد أن أطفأ النور.
وغني عن القول أن النوم لم يجد إلى جفوني سبيلا؛ فرغم حاجتي الشديدة إليه في نهاية يوم مرهق، وأساسا كي أنهض منتعشا في الصباح، قادرا على تدبر المعضلة التي تواجهني، فإن جهلي بمدى ما يمكن أن يذهب إليه جاري في الفراش، نبه كل حواسي، وبالأخص أذني.
وفي البداية غطى وقع الدقات السريعة لقلبي على أصوات الليل المعهودة. وعندما هدأت قليلا تبينت حشرجة المواسير، وصياح جاري في أطفاله، وصرير إناء يوضع تحت الحنفية في المسكن الذي تحتي، ونباح الكلاب في شوارع الحي.
والغريب أن هذه الأصوات التي طالما أثارت حنقي، وحرمتني من النوم، غدت الليلة مصدر طمأنينة، وخففت من توتر أعصابي.
إلا أني لم ألبث أن انتفضت عندما دوت طلقات الرصاص في سكون الليل معلنة بدء الحملة على الكلاب.
अज्ञात पृष्ठ