قلت: «أن تجلس في هذا المقعد وتترك لي مكاني عند المكتب.»
تأملني لحظة، ثم طاف بعينيه في أرجاء الغرفة، إلى أن استقرتا على المقعد ذي المسندين، فتفحصه بإمعان، كأنما يبحث عن سر خفي لطلبي، أو خازوق ما، وأخيرا هز كتفيه وقال: «لا بأس.»
احتللت مكاني المفضل عند المكتب، فأصبح الجدار - وهو الجدار الأخير للمسكن كله - من خلفي، والباب من أمامي. ولم أكن أشعر - عادة - بالطمأنينة إلا في هذا الوضع.
ولما كان المقعد ذو المسندين بجوار الباب، بينه وبين الفراش؛ فقد صار القصير في مواجهتي مباشرة، وهو ما جعلني أندم في الحال على السعي وراء طمأنينة واهمة.
قدمت إليه سيجارة فقال إنه لا يدخن حفاظا على صحته. وأسرعت بإشعال سيجارتي، وقد خفت أن يفرض علي مراعاة موقفه من التدخين، لكنه انشغل عني بتأمل لوحة المرأة العارية المعلقة فوق رأسي.
قلت معقبا على اهتمامه: «إنها لمحمود سعيد كما لعلك حزرت. ولا يقتصر جمالها على روعة الألوان وإحكام التكوين؛ فلعلك لاحظت الغموض الذي يتجلى في نظرة العينين ووضع اليدين. وفي رأيي أنها تحمل قدرا منه يماثل ذلك الذي تحمله لوحة الموناليزا الشهيرة.»
ظهرت على وجهه لأول مرة ابتسامة ملتوية، وفوجئت به يغمز لي بإحدى عينيه قائلا: «هل لديك صور أخرى من هذا النوع؟»
أجبت: «فهمت ما تقصده. للأسف إني لست من المغرمين بالصور العارية، وإنما أفضل الكتب الإباحية، ولدي مجموعة من هذه الكتب إذا أحببت أن تلقي عليها نظرة.»
قال: «فيما بعد؛ فأمامنا وقت كاف فيما يبدو، إلا أني لا أفهم وجه اعتراضك على الصور العارية.»
قلت: «لأنها لا تقدم إلا لحظة ثابتة، لا تكشف عن أية أعماق. أما الكتاب فيلقي شيئا من الضوء على السلوك الإنساني؛ فمهما بلغ الكاتب من تبذل وسوقية وإغراق في الخيال، فإنه مضطر لأن ينهل من تجاربه الواقعية، وهو سيكشف - شاء أم لم يشأ - عن جانب من اللاوعي الإنساني بحكم كشفه عن لا وعيه هو. والنتيجة في النهاية يمكن أن تكون مصدر معرفة، بقدر ما هي، بالتأكيد، مبعث متعة.»
अज्ञात पृष्ठ