لم أكن أتوقع كم المعلومات التي عثرت عليها عن هذا الطريق؛ فمثلا من خلال سلسلة من برقيات الشكر الموجهة منه إلى رئيس الدولة، والتهاني الموجهة إليه من عدد من الشخصيات الهامة، علمت أنه نجح في الانتخابات العامة وصار عضوا في المجلس النيابي.
ومن نعي طويل لإحدى السيدات التي تمت إليه بصلة القرابة، تبينت الشبكة الواسعة من العلاقات التي تربطه بأشهر العائلات وأغناها، وبشخصيات تحتل أرفع المناصب في القضاء والشرطة والجيش والإدارة وعالم المال والأعمال.
وقادتني الإعلانات - تلك الوسيلة الناجحة للتواصل بين أبناء العصر - إلى اكتشاف آخر مثير.
فقد لفت نظري سلسلة منها ظهرت بكثرة في السنوات الأخيرة على الصفحة الأولى من الجريدة عن العطور الفرنسية والسجائر الأمريكية والأجهزة الصوتية اليابانية، وكانت مجردة من اسم المعلن، بينما جرت العادة في أمثال هذه الإعلانات على أن يذكر اسم المستورد أو العميل - بلغة اللجنة - أي الوكيل المحلي.
وكان من شأن العمل المتواصل الذي قمت به في الآونة الأخيرة أن نشط ذهني، وأخذت أميل إلى التغلغل في أعماق الأمور التي تعرض لي، وأحاول استنتاج ما قد يكون خلفها من دوافع، وما قد يربط بينها من علاقات. هكذا ثار فضولي، فمضيت إلى إدارة الإعلانات بالجريدة، وزعمت أني مراسل لإحدى المجلات الاقتصادية الأجنبية، وأني أعد تحقيقا واسعا عن الدعاية التي تنشرها وسائل الإعلام العربية للسلع الأجنبية.
شغل المسئولون في الإدارة بالترحيب بي عن التأكد من مزاعمي، خاصة بعد أن أبديت إعجابي بالشعارات الناجحة التي ترفعها إعلانات العطور والسجائر، وترددها الجماهير في سلاسة تامة. واستطعت أن أكسب ودهم عندما مازحتهم متسائلا عمن لم يذهب بعد منهم إلى الفلتر. وبذلك أصبح من السهل علي أن أحصل على ما أشاء من معلومات.
لم أدهش عندما علمت منهم أن الجهة المحلية التي تستورد السلع المذكورة هي مؤسسة يديرها الابن الأكبر ل «الدكتور» من زوجته الأولى؛ فقد توقعت شيئا من هذا القبيل، لكني فوجئت حقيقة، حتى كدت أنفجر ضاحكا، عندما أروني تصميما لإعلان صادر عن نفس المؤسسة، يعكفون على إعداده ليظهر قريبا على الصفحات الأخيرة بكاملها من كافة الصحف القومية.
فلم يكن هذا الإعلان يبشر المصريين بأكثر من عودة الكوكا-كولا الأصلية إليهم.
الفصل الثالث
ظللت أتردد على مكاتب الصحيفة عدة أشهر، وقد أغرتني الاكتشافات التي توصلت إليها، فضلا عن عدم مصادفتي لأي عقبات ظاهرة، بمداومة البحث في نفس الاتجاه.
अज्ञात पृष्ठ