جلست حكمت شاردة تفكر في تلك الأسئلة التي تتزاحم في رأسها: هل لأنه رجل يمتلئ رجولة كما يبدو من صوته وملامحه وقوامه الفارع؟ هل أحست في مظهره بذرة الرجل الذي تبحث عنه منذ ثمانية وعشرين عاما التي تكون عمرها، الرجل الذي يحتوي عقلها وقلبها وجسدها، ويسكن عنده قلقها وحيرتها وأحزان حياتها؟
ونظرت إليه تفتش في ملامحه عن ذلك الرجل، وسمعت صوته القوي يقول: حكمت، انظري إلى هذه الشجرة وإلى هذه الأنوار التي تتخللها؛ كم هي جميلة!
ورفعت حكمت بصرها إلى الشجرة، كانت ضخمة تنتشر فيها لمبات النور الملونة؛ بعضها أحمر، وبعضها أصفر، وبعضها أزرق، وقالت: إن الشجرة جميلة، ولكن تلك الأنوار الكثيرة تفسد جمالها.
وقال في حماس: بالعكس، إنها تزيدها جمالا. ومرت الدقائق وهو يتطلع إلى الأنوار، وقد انقلبت ملامح الرجل فيه إلى ملامح طفل صغير، ينظر فرحا إلى مجموعة من «البلونات» الملونة.
وأمسكت حكمت بكوب عصير الليمون، وأخذت ترشف منه في بطء، ثم رأته يلتفت إليها ويقول في سعادة ساذجة تتناقض مع قوامه الفارع وملامحه العنيفة: أنت جميلة، جميلة جدا. ولم تكن تنتظر أن يكون أول حديثه معها هذه الكلمة! إن أي رجل يجلس مع أي امرأة يقول لها: «أنت جميلة.» إنها كانت تتوقع منه أن يقول شيئا آخر، شيئا عميقا كبيرا يهز كيانها. إنه رجل عادي جدا، يبدو أنه لا يعرف أكثر مما قال! ولكن مظهره، ملامحه التي توحي بالعمق والقوة، صوته العميق، ذلك الإحساس الأول الذي شعرت به بأنه الرجل الذي تبحث عنه منذ ثمانية وعشرين عاما؛ هل كان شعورا كاذبا؟ ولكن لماذا يبدو صغيرا الآن؟ لماذا يبدو عاديا؟ وهل يمكنها أن تتجاهل فهمها وخبرتها ونضوجها وتقبل رجلا عاديا؟ ولكنها أشرفت على الثلاثين من عمرها ولم تقابل الرجل الذي تريده. هل تيأس من الحصول عليه؟ وهل ترضى بهذا الرجل الطويل العريض الجالس أمامها، والذي تتراقص عيناه في طفولة على لمبات النور الملونة؟
وانتفضت على صوته العميق جدا وهو ينظر في سذاجة وسطحية إلى يديها وهما تمسكان بكوب العصير، ويقول: إن يديك جميلتان جدا، صغيرتان. ما أجملهما!
ومد يده كالطفل وهو يقول: أريد أن ألمسهما، هل تسمحين؟
وكانت قد بلغت من النضج وفهم الحياة حدا لم تعد معه تخشى تجربة أي شيء، ولكنها تريد أن تختبر هذا الرجل، تريد أن ترى كيف يبدو حين يمسك يديها؛ هل سيكون ذلك الطفل الذي يلهو بالبالونات الملونة، أم أنه سيكون الرجل الذي يرتسم على ملامحه؟
وكانت تريد أيضا أن تمنحه الفرصة ليظهر عاطفته لها؛ هل يحبها؟ وما نوع هذا الحب؟ وكيف يعبر عن هذا الحب؟
ولم تكن تريد أن تحكم عليه بالإعدام من أول لقاء، لقد عودتها التجربة والخبرة أن تصبر، وأن تنتظر، وأن تتأمل. إن لحظة واحدة خليقة بأن تخلق حبا جديدا، وإن لحظة واحدة خليقة بأن تقتل حبا قديما.
अज्ञात पृष्ठ