ولكن هذه السياسة أحاطت الخلفاء الفاطميين ببطانة من رجال مثقفين يميلون إلى تعضيد الفنانين، كما شجعت هؤلاء على العمل والإنتاج، حتى كان حكم الفاطميين العصر الذهبي للفنون الفرعية على ضفاف النيل.
8
والظاهر أن القاهرة كان بها في أواخر العصر الفاطمي حي سكنته جالية من الصناع الفرنج، ربما أتت بهم إلى مصر سفن الجمهوريات التجارية في شبه جزيرة إيطاليا. وعلى كل حال فقد كتب المقريزي عن المناخ السعيد وهو الوضع الذي كانت فيه طواحين القمح اللازمة للقصور الفاطمية؛ فنقل عن ابن الطوير أن هذا الحي كان مملوءا بعدد كبير جدا من حواصل الخشب والحديد وآلات الأساطيل من الأسلحة المعمولة بيد الفرنج القاطنين فيه، والقنب والكتان والمنجنيقات وغير ذلك من أدوات الصناعة، وقد ظل هذا الحي الصناعي حتى عصر الدولة الأيوبية.
9
كما أننا لا نشك أيضا في أن هذا الازدهار الفني الكبير يرجع إلى الثروة التي حصلت عليها البلاد في عصر الفواطم، والتي يكفي لبيان مقدارها قراءة ما كتبه ناصر خسرو في وصف أسواق الفسطاط وأبنية القاهرة، وفي وصف عيذاب، وذكر الضرائب التي كانت تحصل فيها على البضائع الواردة من اليمن وزنجبار والحبشة.
وكذلك في المصادر التاريخية والأوروبية في العصور الوسطى كثير من الأخبار التي تثبت امتداد تجارة الجمهوريات الإيطالية مع الدولة الفاطمية، والأرباح الطائلة التي كان الطرفان يكسبانها من هذه التجارة.
10
كما أننا نعرف أن الإسكندرية كانت لها في ذلك الحين تجارة واسعة مع صقلية والقسطنطينية، وأن التبادل بين مصر والأقطار المجاورة لم يكن في البضائع والمنتجات فحسب، بل كان في رجال الفن أيضا، فقد كان في مصر إذ ذاك فنانون ذاع صيتهم ووجدت إمضاءات بعضهم على أعمال الفسيفساء التي قاموا بها في مكة، وكان بعضهم يستدعى للعمل في البلاد الأجنبية.
11
وكذلك كان الخلفاء الفاطميون ترد إليهم الهدايا النفيسة من عمالهم على الأقاليم، ومن الملوك والأمراء الذين كانوا يبعثون بها خطبا لودهم، أو عربونا على صداقتهم، ومن ذلك ما كتبه الأبشيهي
अज्ञात पृष्ठ