تصدير1
كلمة المؤلف
القسم الأول: التحف الفنية في قصور الفاطميين
مقدمة في جمع التحف وتاريخ دور الآثار
الفاطميون
الرخاء في العصر الفاطمي
الشدة العظمى
مصادر ما نعرفه عن كنوز الفاطميين
خزائن القصر الفاطمي
كنوز الفاطميين بعد الشدة العظمى
अज्ञात पृष्ठ
تعليق على وصف المقريزي خزائن الفاطميين
القسم الثاني: الفنون الفرعية في العصر الفاطمي
القاعة الفاطمية في دار الآثار العربية
الخاتمة
ملحق صور
مراجع الكتاب
تصدير1
كلمة المؤلف
القسم الأول: التحف الفنية في قصور الفاطميين
مقدمة في جمع التحف وتاريخ دور الآثار
अज्ञात पृष्ठ
الفاطميون
الرخاء في العصر الفاطمي
الشدة العظمى
مصادر ما نعرفه عن كنوز الفاطميين
خزائن القصر الفاطمي
كنوز الفاطميين بعد الشدة العظمى
تعليق على وصف المقريزي خزائن الفاطميين
القسم الثاني: الفنون الفرعية في العصر الفاطمي
القاعة الفاطمية في دار الآثار العربية
الخاتمة
अज्ञात पृष्ठ
ملحق صور
مراجع الكتاب
الكنوز الفاطمية
الكنوز الفاطمية
تأليف
زكي محمد حسن
إلى
الأستاذ جاستون فييت
بعد عشر سنوات انتفعت فيها بعلمه
تصدير1
अज्ञात पृष्ठ
للأستاذ جاستون فييت مدير دار الآثار العربية
إنه لمما يشرفني عظيم الشرف أن يهدي المؤلف إلي هذا الكتاب، وإن هذه العاطفة النبيلة منه لتذكرني بتعاون متين منذ عشر سنين، بذلت فيها كل ما بوسعي في سبيل إرشاده، سواء في القاهرة أم في باريس، إرشاد الأكبر للأصغر سنا؛ وكنت كلما رأيت مثابرته، ويقظته العقلية المستطلعة، ونشاطه الذي لا يخمد، زدت له مساعدة وإرشادا.
وقد تعمق الدكتور زكي في التاريخ وسبر أغواره، وملك ناصية لغات أوروبية عديدة، وطاف بمعظم متاحف أوروبا دارسا ومنقبا؛ فهو إذن قد أعد إعدادا متينا ليكون مؤرخا ممتازا للفن الإسلامي، فضلا عن أنه في عنفوان الشباب ويبشر بمستقبل علمي عظيم سيؤتي أطيب الثمرات.
وكتابه هذا أبلغ دليل على ما أقول، فقد سلس للمؤلف قياد الموضوع، ولانت له قناته، مما يشهد بأنه أصبح مؤرخا فذا للفن، له طريقة علمية بلغت الغاية دقة، وله في النقد حاسة قوية نافذة.
ومعلوم أن تاريخ الفن مثله كمثل بقية العلوم من حيث جمع الحقائق وتمحيصها وشرحها وترتيبها، واستنتاج الأفكار العامة منها؛ غير أنه يختلف عنها من حيث إن مؤرخ الفن يجب أن يكون شغوفا بمادته، ولا شك في أن جوانح زكي حسن لتنطوي على هذا الشغف، الذي يسمو بصاحبه فوق الحقائق المادية وإن لم يغفلها، ويثير عنده شعور الإعجاب بتراث العصر الإسلامي الوسيط من تحف فنية يلتذ بها الحس وينعم بها العقل، ويولد في نفوس القراء حب هذه التحف التي تدل على مدنية عظيمة.
وقد أفصح موضوع الكتاب وأبان عن نفسه؛ غير أننا وإن لم ننكر ما للفن الإسلامي القديم من بساطة جذابة، وما لفن المماليك من هدوء وانسجام، لا بد لنا من الإعجاب بالتحف النفيسة التي أنتجها العصر الفاطمي، فدلت على ما كان لفن الفاطميين من قوة إبداع، وشخصية، وإحساس بالحياة شديد، وأثارت في نفوسنا روح الحمية والحماسة.
ولذا فإنك إذا قرأت هذا الكتاب أدركت تمام الإدراك أن المؤلف لم يكتبه إلا بدافع من الشغف عظيم، فبلغ به أقصى حدود الإتقان.
ألف إذن زكي حسن هذا الكتاب مدفوعا بعامل السرور وحده؛ أعني أنه بذل فيه جهده كله، وقد كنت أشاهده منذ شهور وهو يقوم بتأليفه، وكان يخيل إلي أن ما كان يعترضه من عقبات، ما كان إلا ليزكي نار الحماسة في قلبه.
بل إن العاطفة لتتجلى في اختياره موضوع الكتاب؛ فقد راعى الروح القومية، إذ يعد هذا الكتاب الخطوة الأولى في سبيل إحياء ذكرى مرور ألف عام على تأسيس القاهرة. ويحق لدار الآثار العربية أن تزهو، بل ومن واجبها أن تزهو بهذا السبق: أفليست تحوي كنوزا فاطمية عظيمة القيمة؟
قد يقال: إن دار الآثار العربية تسبق موعد هذه الذكرى؛ ولكننا نرى أننا بحاجة إلى بحوث متينة تذكرنا بما كان عليه الماضي العظيم من فخامة وروعة، فتمهد لأن يكون الاحتفال بهذا العيد احتفالا لائقا بذلك الماضي المجيد.
अज्ञात पृष्ठ
والكتاب قسمان: الأول مقدمة يلتمس فيها المؤلف ما دونه كتاب العصر الوسيط عن زخرف الحياة في الدولة الفاطمية. فهل تأثر المؤرخون العرب في هذا الموضوع بميلهم الغريزي إلى المبالغة في الإشادة والإطناب؟ كلا بل كانوا في وصفهم تلك الحياة صادقين، كما أثبت المؤلف هذه الحقيقة إثباتا قاطعا في القسم الثاني من كتابه، وقد عرض فيه التحف الفاطمية كلها.
ودار الآثار العربية تعد أغنى المتاحف رغم تسرب عدد كبير من التحف إلى أوروبا منذ زمان طويل، بل وقبل إنشاء متحفنا في القاهرة. والدار وإن لم تحتو من التحف العاجية والبللورية والبرنزية والنحاسية إلا على عدد يسير، فإن ثروتها من الأخشاب والمنسوجات والخزف لا تعادلها ثروة.
ولعل هذا الكتاب النفيس المحلى بكثير من اللوحات والرسوم يؤثر في القراء تأثيرا يدفعهم إلى تعرف دار الآثار، فنرى زوارها يزدادون يوما عن يوم.
وما أريد أن أتحدث عن المراجع الكثيرة التي تذيل الكتاب، فإنها قد جعلته جليل النفع عظيم الأثر للمدرسين؛ فالكتاب ومراجعه خير مرشد لهم في تدريسهم تاريخ الفن الإسلامي، وليست هذه المراجع مجرد ثبت يملأ العين؛ وإنما هي نتيجة مجهود وافر، وقد درسها المؤلف كلها، كما يتضح للقارئ عند قراءته ما كتبه من الحواشي في أسفل الصفحات.
وإني أتمنى أن يكون هذا الكتاب شيقا للقارئ كما كان للمؤلف نفسه، وأن يزيد عند المصريين - وكدت أن أسميهم بني وطني، إذ صارت مصر لي وطنا ثانيا - شعورهم بماضيهم الباهر وأن يقوي إيمانهم به واعتزازهم، فالإيمان بالماضي أساس وطيد لوطنية قوية متسامحة، كما أتمنى أن يضاعف الكتاب في نفوس المصريين حب البحث ويرهف فيهم الإحساس بالجمال.
كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت نواة هذا الكتاب أبحاثا أعددتها في السنتين الماضيتين وألقيت جزءا منها في المؤتمر الذي عقده المجمع المصري للثقافة العلمية بالقاهرة في مارس سنة 1937.
ويسرني أن أنتهز هذه الفرصة لأقدم للأستاذ فييت مدير دار الآثار العربية خالص الشكر على ثمين تشجيعه وجميل عونه.
كما أشكر حضرات الأساتذة وأصحاب السعادة والعزة أعضاء المجمع المصري للثقافة العلمية، فقد كان لحسن ثقتهم فضل كبير في تأليف هذا الكتاب.
अज्ञात पृष्ठ
ولن يفوتني أن أنوه بالعناية التي بذلها حضرة محمد نديم أفندي ملاحظ مطبعة دار الكتب المصرية في سبيل طبع الكتاب وحسن تنسيقه على هذا النحو الذي يفخر به فن الطباعة في مصر.
زكي محمد حسن
سبتمبر سنة 1937
القسم الأول
التحف الفنية في قصور الفاطميين
“the countless gifts, the stately walls, the royal palces and halls, all filled with gold. Plate wit armorial bearings wrought, Chambers with ample treasures fraught, of wealth untold”.
Longfellow’s Translation: Colpas de Maurique.
مقدمة في جمع التحف وتاريخ دور الآثار
إن المتاحف بالمعنى الذي نعرفه في الوقت الحاضر مؤسسات ليست قديمة العهد، وإن يكن اللورد بيكون
Lord Bacon
अज्ञात पृष्ठ
قد تخيل في مؤلفه نيو أطلانطس
New Atlantis
1
نحو عام 1625 وجود متحف أهلي كبير للعلوم والفنون، فإن أقدم المتاحف المعروفة ترجع إلى آخر القرن السابع عشر، وقليل منها يرجع إلى القرن الثامن عشر، بينما يرجع نمو هذه المؤسسات وازدهارها إلى القرن التاسع عشر، ولا سيما آخره.
والمتاحف معاهد للثقافة تفتح أبوابها للجميع، ويفيد منها الزائر في ساعة أكثر مما يفيده من قراءة عدة ساعات، فلا غرو إذن إن كانت مما تمخضت عنه العصور الحديثة: عصور الديمقراطية والسرعة، والأسفار والرحلات، ولا غرابة إن كان تقدمها وازدهارها مقرونين بتقدم العلم، ونمو روح البحث والتنقيب. (1) العالم القديم
وفي العصور القديمة كانت كلمة «متحف» باليونانية
mouseion
يقصد بها المؤسسات الجامعية التي يأوي إليها العلماء؛ يدرسون ما في مكاتبها من مخطوطات في شتى العلوم والمعارف، وتفسح لهم مجال البحث والدرس والتحصيل، وتبادل الأفكار، ومقارعة الحجج بالحجج، وكان سيد هذه المتاحف القديمة على الإطلاق متحف الإسكندرية،
2
ومن المحتمل أن مثل هذه المتاحف كانت تحوي بين جدرانها مجموعات من التحف الأثرية.
अज्ञात पृष्ठ
ومهما يكن من شيء، فنحن نعرف أن تاريخ جمع التحف يرجع إلى اليونان القدماء، وأن ملوك برجامن
peregame - وهي المستعمرة التي أسستها جالية من المهاجرين الإغريق بآسيا الصغرى في القرن الثالث قبل الميلاد - كانوا يجمعون التحف النفيسة، التي ترجع إلى عصور ازدهار الفن الإغريقي؛ بل إنهم أنشئوا مكتبة لم تكن تفوقها في ذلك العصر إلا مكتبة الإسكندرية.
ونسج الرومان على منوال الإغريق في جمع التحف، وتنبه القائد الروماني فبسانيوس أجريبا
Vipasanius Agrippa ، زوج ابنة أوغسطوس إلى أن الأفضل أن تفتح أبواب المجموعات الفنية الخاصة ليراها الشعب، ويعجب بما فيها من آيات الفن.
وصفوة القول: إن معابد اليونان والرومان، وقصور أغنيائهم كانت فيها مجموعات من الصور والتماثيل تتفاوت في الحجم والقيمة . (2) الغرب
على أن كلمة متحف باليونانية
mouseion
بطل استعمالها بعد أن ذهب متحف الإسكندرية طعمة للنار، وظلت ميتة حتى بعثت في القرن السابع عشر؛ لتكون اسما لدور الآثار على اختلاف نوعها.
وإن كنا لا نعرف شيئا عن جمع التحف في العصور الوسطى المظلمة، فإننا نعلم أن عصر النهضة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر أحيا الاهتمام بالآثار القديمة؛ إذ بدأ القوم في إيطاليا يفطنون إلى تراث اليونان والرومان، فهبوا يجمعون التحف الفنية، كالمخطوطات، وقطع العملة، والأحجار النفيسة، والتماثيل النصفية، والكتابات التاريخية، والأيقونات؛ ولم يكن ذلك لأن القوم تنبهوا إلى قيمتها الأثرية فحسب؛ بل لأنهم أخذوا يقدرون ما فيها من متعة وجمال، فلم تلبث قصور الأسرات الشهيرة في إيطاليا وفي غيرها من البلاد الأوروبية أن ضاقت بما فيها من التحف الفنية.
ثم كان إنشاء المجامع العلمية في النصف الثاني من القرن السابع عشر أكبر حافز على البحث العلمي، فأقبل الملوك والأمراء والأثرياء على تكوين المجموعات الفنية؛ ولكن جمعهم الغريب من التحف، والجميل من الآثار لم يكن له غرض معين، ولم يكن منظما كل التنظيم، بيد أن علينا أن نذكر دائما أن عددا كبيرا من المتاحف الأوروبية قام على أساس تلك المجموعات الفنية الخاصة؛ بل إن بعض القصور التي كانت هذه المجموعات محفوظة فيها، وهبها أصحابها إلى أوطانهم أو باعوها، فحولت بمحتوياتها إلى متاحف أهلية. (3) الشرق
अज्ञात पृष्ठ
وقد عرف الشرق الأدنى في العصور القديمة جمع التحف، على أن ذلك كان لأغراض دينية وجنائزية؛ كما يتجلى لنا مما تكشف عنه الحفائر في معابد قدماء المصريين وقبورهم.
وكذلك عرف الشرق الأقصى، ولا سيما اليابان، جمع التحف الفنية؛ ولكن أكبر الظن أنهم كانوا يجمعونها لأغراض دينية أيضا، مثال ذلك: آلاف التحف التي أهدتها إمبراطورة يابانية إلى الإله بوذا، صدقة على روح زوجها في سنة 756 ميلادية، وحفظت التحف المذكورة في معبد بمدينة نارا، التي كانت عاصمة اليابان في القرن الثامن الميلادي. (4) العالم الإسلامي
أما المسلمون فقد عرفوا جمع التحف الغالية منذ اختلطوا بالأمم المعاصرة، وتقدمت مدنيتهم المادية، فكانت قصور الأمويين والعباسيين تضم بين جدرانها شتى الأواني والمنسوجات الفاخرة.
3
على أننا نظن أنهم كانوا يرمون بجمع هذه التحف إلى الانتفاع بها واستخدامها في حياتهم اليومية، وأكبر ظننا أن الفاطميين هم أول من عمل في الإسلام على جمع التحف الفنية جمعا منظما، ليس للانتفاع بها فحسب؛ بل تقديرا لقيمتها الفنية والأثرية، وقد وصل إلينا اسم تاجر يهودي في العصر الفاطمي - هو أبو سعد إبراهيم بن سهل التستري - كان تاجرا في التحف الثمينة النادرة.
4
الفاطميون
والفاطميون كما نعرف أسرة شيعية، قامت في المغرب الأدنى والأوسط حين أقبل دعاة الإسماعيلية على نشر مذهبهم، حتى أفلح عبيد الله - أول الخلفاء الفاطميين - في القضاء على حكم الأغالبة في إفريقية عام (296ه/909م)، ثم استطاع أن يبسط نفوذه على بلاد المغرب، واتخذ مدينة المهدية - على مقربة من تونس - مقرا لحكمه سنة (308ه/920م).
وكأن الفاطميين كانوا يشعرون منذ البداية بأن دولتهم في المغرب لم تكن قوية الدعائم، فنراهم يعملون على فتح مصر لثروتها ولضعف حكومتها في ذلك الوقت؛ ولتكون مركزا لقيصرية تتسع أرجاؤها فتنافس الدولة العباسية؛ ولكن سعي الفاطميين يفشل في عهد عبيد الله، وفي عهد ابنه وخليفته القائم بأمر الله، ولا ينجحون في بلوغ هذه الأمنية إلا في عهد المعز لدين الله، خليفتهم الرابع، الذي فتحت مصر على يد قائده جوهر سنة (357ه/969م) فاختط القاهرة، وشيد الجامع الأزهر، ورحل المعز وأفراد أسرته عن المغرب، ونقلوا مقر حكمهم إلى القاهرة، فكان ذلك فاتحة لضياع ممتلكاتهم في شمالي أفريقيا، وفي جزائر البحر الأبيض المتوسط؛ إذ لم يلبث عمالهم بنو زيري وبنو حماد أن استقلوا بالحكم في تونس والجزائر، كما سقطت صقلية ومالطة في يد النورمنديين بعد حوادث لا مجال لسردها هنا.
ولكن عوض الفاطميين عن هذه الخسارة ازدهار حكمهم في مصر وسورية، فأصبحت القاهرة تنافس بغداد وقرطبة، وازدادت ثروة البلاد، وعم الرخاء، وصارت الإسكندرية مركزا عظيما للتجارة بين الشرق والمغرب، ثم بدأ الضعف يدب في ملكهم الواسع في النصف الثاني من حكم المستنصر بالله، وفي عهد خلفائه، وزادت سلطة الوزراء والجند - كما سنذكر في الصفحات التالية - حتى أسس صلاح الدين الدولة الأيوبية في مصر سنة (567ه/1171م).
अज्ञात पृष्ठ
وقد بنى الفاطميون في مصر قصرين، لم يصل إلينا إلا وصفهما في بعض كتب الأدب والتاريخ، وكانت لهم في المهدية عاصمتهم الأولى، قصور عفت آثارها؛ على أن الجنرال الفرنسي دي بلييه
Général de Beylié
استطاع أن يكشف آثار بعض القصور في قلعة بني حماد، حاضرة الأسرة التي استقلت بحكم الجزائر بعد أن كان أمراؤها عمالا للفاطميين على تلك البلاد.
1
وعلى الرغم من أن صقلية سقطت في يد النورمنديين سنة (462ه/1071م) - بعد أن كان الفاطميون قد أخضعوها في أوائل حكمهم - فقد ظلت الثقافة الإسلامية والتقاليد الفنية الفاطمية سائدة فيها مدة طويلة تحت حكم النورمنديين المسيحيين، وشيدت في مدينة بلومر مبان عربية الطراز كقصر القبة
La Cuba
وقصر العزيزة
La Ziza
وهما ليسا عربيين باسميهما فقط؛ بل إن في عمارتهما عناصر إسلامية كثيرة.
2
अज्ञात पृष्ठ
كما أن باب كنيسة المارتورانا (1129-1143م) في بلرمو، وكذلك الزخارف المحفورة في السقف الخشبي بالكابلا بالاتينا،
3
تدل كلها على أن صناعة الحفر على الخشب إبان العصر الفاطمي أثرت تأثيرا بالغا في الأساليب الفنية بصقلية، وفضلا عن ذلك فإن النقوش والصور باكابلا بالاتينا مثال حي لصناعة التصوير التي ازدهرت في العصر الفاطمي، والتي تحدثنا عنها المصادر التاريخية، والتي عثرت دار الآثار العربية حديثا على مثال لها في قبة حمام فاطمي، كشفت عنه حفائرها في أبي السعود جنوبي القاهرة.
4
وسوف يأتي الكلام على هذا كله في القسم الثاني من هذا الكتاب.
الرخاء في العصر الفاطمي
كان زمن الفاطميين من أزهى عصور الفن الإسلامي، وإن يكن عصر المماليك قد بزه في ضخامة العمائر وإبداع زخارفها، فإن الفنون الفرعية
1
أو التطبيقية بلغت أوج عظمتها في حكم الدولة الفاطمية، الذي دام في وادي النيل من سنة (357-567ه/969-1171م)، ولا غرو فقد زادت الثروة في البلاد، وكانت مصر تجني أرباحا وافرة من تجارة المحيط الهندي، والعلاقات التجارية مع القسطنطينية.
رحلة ناصر خسرو
अज्ञात पृष्ठ
ونحن نعرف أن ناصر خسرو، الرحالة الفارسي المشهور طاف في كثير من بلاد العالم الإسلامي في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، بعد أن ترك وطنه في وقت انتشرت فيه الاضطرابات، واشتد النزاع بين أمراء الأقاليم المختلفة؛ ولكنه رأى نفس البؤس في كل البلاد التي زارها، اللهم إلا في مصر: فقد وجد رخاء عظيما، وأسواقا عامرة، وتحفا فنية نادرة، وهدوءا شاملا،
2
وكان ذلك في عهد الدولة الفاطمية، الإسماعيلية المذهب، وظن ناصر خسرو أن الفضل في رخاء مصر راجع إلى المذهب الإسماعيلي، وأن هذا المذهب كفيل بإنقاذ العالم الإسلامي، فلم يلبث ناصر أن اتصل ببعض رؤساء الشيعة الإسماعيلية في مصر، واعتنق مذهبهم. والظاهر أن الخليفة المستنصر بالله أحسن استقباله، وكلفه بأن يدعو لمذهب الإسماعيلية في خراسان.
3
وقد وصف ناصر خسرو مدينة القاهرة المعزية - نسبة إلى المعز لدين الله الفاطمي - وصفا شائقا. وقدر أنها في ذلك الوقت (بين سنتي 439 و441 هجرية؛ أي: 1047 و1049 ميلادية) كانت قد ثبت عمارتها، وأصبح فيها ما لا يقل عن عشرين ألف دكان، كلها ملك السلطان، وكثير منها يؤجر بعشرة دنانير في الشهر، وليس بينها إلا قليل تبلغ أجرته في الشهر دينارين، وكان فيها من الخانات والحمامات ما لا يمكن حصره، وكانت كلها ملك السلطان.
4
أما قصر السلطان نفسه فقد كان في وسط القاهرة، وبينه وبين الأبنية المحيطة به فضاء يفصله عنها، وكان يحرسه في الليل خمسمائة حارس من الفرسان، وخمسمائة حارس من الرجالة، وكانت أسواره عالية؛ فلا يستطيع أحد رؤيته من داخل المدينة، بينما يبدو من خارجها كالجبل، وكان في القصر ألوف من الخدم والنساء والجواري، وله عشر بوابات فوق الأرض، وباب يقود إلى ممر تحت الأرض، يعبره الخليفة راكبا ليصل إلى قصر آخر، وكان كل كبار الموظفين في قصور الخليفة من الروم أو السود.
وقال ناصر خسرو: إن مدينة القاهرة كان لها خمسة أبواب كبيرة: باب النصر، وباب الفتوح، وباب زويلة، وباب القنطرة، وباب الخليج،
5
ولم يكن بالمدينة سور محصن،
अज्ञात पृष्ठ
6
ولكن أبنيتها كانت أعلى من الأسوار المحصنة، وفي كل منها خمس أو ست طبقات فكأنها القلاع الضخمة،
7
وكانت البيوت في المدينة مبنية بناء نظيفا محكما، وكانت مفصولة عن بعضها بحدائق ترويها مياه الآبار.
8
وفي الواقع أن هذه الظاهرة التي أعجب بها ناصر خسرو، أعجب بها غيره من الرحالة الأوروبيين الذين أتيحت لهم زيارة القاهرة في العصور الوسطى.
9
ووصف ناصر خسرو الاحتفال العظيم بقطع الخليج وخروج الخليفة الفاطمي على رأس جنده وخدمه، وأمراء الدولة وموظفي الحكومة للاشتراك في هذا العهد الشعبي الكبير.
وانتقل ناصر خسرو بعد ذلك إلى مدينة الفسطاط جنوب القاهرة، حيث كانت الحركة التجارية والصناعية، فوصف عظمتها، وبيوتها الشاهقة، وجوامعها الكبيرة، وحدائقها الغناء، وصناعتها الزاهرة، وأطنب في وصف الثروة في أسواقها، والازدحام فيها، وجمال أعيادها، وقال: «لو وصفت هذه الأعياد لما صدقني كثير من الناس ولرموني بالمبالغة والإغراق، فإن حوانيت القصارين
10
अज्ञात पृष्ठ
والصياغ، والحوانيت الأخرى مفعمة بالذهب والحلي والبضائع والأقمشة من الحرير والقصب لدرجة لا يجد فيها المشتري محلا يجلس فيه.»
11
ومما لفت نظره أن التجار كانوا يبيعون بأثمان محددة، وأن الذي كان يغش الناس كانوا يركبونه جملا ويضعون في يده جرسا يدقه، ويطوفون به البلد، وهو يصيح بأعلى صوته: لقد كذبت وها أنا ذا ألقى عقابي جزى الله الكاذبين.
وختم ناصر خسرو وصفه بأنه رأى في مصر ثروة عظيمة، وأموالا غزيرة، لو أراد وصفها لم يصدقه أحد من بلاد العجم.
12
وقد ذكر أشياء كثيرة عن صناعة النسيج، والخزف، والمعادن في مصر. وسوف نعود إليها في مواضع أخرى من هذا البحث.
وقصارى القول أن مصر كانت لها المكانة الأولى في العالم الإسلامي في الوقت الذي زارها فيه ناصر خسرو، وأن العراق لم يستطع بعد ذلك أن ينتزع منها تلك المكانة إلا بفضل الأمراء السلاجقة، الذين آلت إليهم مقاليد الأمور فيه، والذين امتدت فتوحاتهم حتى أزالوا سلطان الفاطميين عن سورية.
13
الشدة العظمى
على أن مصر لم تلبث بعد زيارة ناصر خسرو أن دب إليها الضعف، وكان أن قبض على أزمة الحكم الوزير اليازوري،
अज्ञात पृष्ठ
1
فأبعد خطر المجاعة؛ ولكنه لم يفلح في استئصال الداء من أساسه، وكان عزله وقتله سنة (450ه/1058م) إيذانا بقيام الفوضى، وبدء المجاعة، وانتشار الوباء، وتعاقبت الوزارات في الحكم ؛ دون أن يكون لها من النفوذ ما تكبح به الجند من الترك والبربر والسودان، فقاموا بكثير من أعمال السلب والنهب، والعنف والشدة، وكانت أم الخليفة
2
تتخذ الجنود السودانية عونا لها، وأداة لفرض إرادتها، وكان الجنود الأتراك يأخذون عليها هذا،
3
واستطاعوا أن يزيدوا نفوذهم حتى تمكنوا برئاسة زعيمهم ناصر الدولة من طرد غرمائهم من السودانيين إلى الصعيد، بعد أن هزموهم سنة (454ه/1062م) في واقعة كوم الريش، فعاثوا فيه فسادا وخلا الجو للترك، فقاموا بشيء كثير من أعمال العنف والشدة، ونهبوا قصور الخليفة والمخلصين له، وأخذوا ما كان فيها من تحف فنية، وأحجار كريمة، وبددوا ما كانت تفخر به من مخطوطات ثمينة.
والعجيب أن المقريزي يذكر ما يشعر بأن الحكومة كانت تغض الطرف عما ينهبه الجند من قصور الخليفة؛ لئلا يمتد شرهم إلى الشعب، فيزيدونه بؤسا وشقاء، فلم تعترضه الدولة، ولا التفتت إلى قدر الكنوز التي كانوا ينهبونها؛ بل جعلتها - على حد قول المقريزي - هي وغيرها فداء لأموال المسلمين، وحفظا له في منازلهم.
4
ولعل الحكومة كانت تبغي بسكوتها هذا أن تنفي شر ثورة الشعب، وقيام حرب أهلية، تهلك الحرث والنسل.
ولكن مصر كان مقضيا عليها بالبؤس في ذلك الحين، وانقطعت عن أسواق القاهرة المواد الغذائية التي كانت ترد إليها من الأقاليم، وغدت منعزلة عن بقية أجزاء البلاد؛ إذ بينما كانت السيادة فيها للجند التركية، كان الصعيد في يد السودانيين، وكانت الإسكندرية وجزء كبير من الدلتا في يد فريق آخر من الجند التركية تساعدهم قبائل من العرب والبربر،
अज्ञात पृष्ठ
5
فقلت الأقوات، وعلت الأسعار؛
6
فصارت البيضة بدينار، والرغيف بخمسة عشر دينارا،
7
وحتى الخيل، والبغال، والقطط، والكلاب ارتفعت أثمانها، ولم يكن يصل إلى أكلها إلا أهل السعة والغنى، وما لبثت حلي النساء ونفائسهن أن أصبحت زهيدة القيمة، يعرضنها للبيع فلا يتقدم إلى شرائها أحد، وكذلك ذهب ما في اصطبلات الخليفة من خيل كريمة، وأقبل الأمراء وكبار رجال الدولة على أحقر الأعمال في سبيل الحصول على قوتهم اليومي.
وزادت المسغبة حتى اضطر سكان القاهرة إلى أكل لحم الإنسان ، وصار يخطف بعضهم بعضا من الطرقات بواسطة خطاطيف يدلونها من النوافذ، ثم أصبح القصابون يبيعون لحم الإنسان في حوانيتهم، وجرى المؤرخون المسلمون على تسمية تلك السنين بالشدة العظمى؛
8
لما كان فيها من مصائب أذلت القاهرة، وأفقدت المستنصر كل شيء؛ بعد أن فرت أمه وزوجته وبناته إلى بغداد وسورية هربا من الطاعون، ونهب الجند والغوغاء قصره وممتلكاته، فصارت بنت أحد الفقهاء تجري عليه رغيفين كل يوم يسد بهما رمقه.
9
अज्ञात पृष्ठ
مصادر ما نعرفه عن كنوز الفاطميين
إذا نحن أردنا أن نتحدث عن قصور الخلفاء الفاطميين وما كان فيها من كنوز فنية، فإن مرجعنا الأساسي في هذا ما كتبه المؤرخون المصريون ابن ميسر وتقي الدين المقريزي.
أما ابن ميسر فهو محمد بن علي بن يوسف بن جلب راغب المتوفى سنة (677ه/1278م). وفي المكتبة الأهلية بباريس مخطوط به جزء من كتاب له اسمه «أخبار مصر» وقد وقف على نشره الأستاذ هنري ماسيه
Henri Massé
فطبعه في المعهد العلمي الفرنسي في القاهرة سنة (1919) وصدره بمقدمة قصيرة وألحق به الفهارس اللازمة. وكان المفهوم أن المخطوط المذكور يشتمل على الجزء الثاني من كتاب أخبار مصر.
ولكن الأستاذ فييت
G. Wiet
كتب نقدا طويلا وبحثا مسهبا في هذا المخطوط والطبعة التي ظهرت منه على يد الأستاذ ماسيه،
1
فأثبت أن النص المخطوط في المكتبة الأهلية بباريس ليس تاريخ ابن ميسر. وليس الجزء الثاني منه بتمامه؛ ولكنه نسخة من مقتطفات من هذا الكتاب، نقلها المقريزي سنة (814ه/1411م)، ثم وضع أكثر من خمسها في كتابين من كتبه، ونقل أكثر الأجزاء الباقية مع بعض تغيير أو إضافة أو حذف. والواقع أن في آخر المخطوط عبارة تؤيد ما أثبته الأستاذ فييت، وهي: «آخر المنتقى من الجزء الثاني من تاريخ مصر لابن ميسر، وتم على يد أحمد بن علي المقريزي في مساء يوم السبت أربع عشرة وثمانمائة.»
अज्ञात पृष्ठ
2
وقد درس الأستاذ فييت في بحثه الذي أشرنا إليه المصادر التي اعتمد عليها ابن ميسر، ولا سيما ابن زولاق المتوفى سنة (387ه/998م) - وهو أقدم الذين كتبوا في تاريخ الفاطميين، وإن كانت مؤلفاته لم يصل إلينا منها شيء - ثم المسبحي المتوفى سنة (420ه/1029م)، وقد ذكر ابن خلكان أنه كتب تاريخا لمصر في ثلاثة عشر ألف ورقة؛
3
ولكن لم يصل إلينا من مؤلفات المسبحي إلا الجزء الأربعون من تاريخه، وهو محفوظ الآن في مكتبة الإسكوريال بإسبانيا. ومهما يكن من شيء، فإن ابن ميسر اعتمد على مصادر طيبة، وقد شهد له بذلك ابن حجر فقال: إنه «عارف بالمصريين.»
4
وليست هذه ميزته الوحيدة، فإننا لا نجد في كتابه سب الفاطميين الذي نجده عند غيره من المؤرخين السنيين، الذين لبوا رغبة الأيوبيين والمماليك في التشهير بالفواطم والقسوة في نقدهم.
والظاهر أن الذي حدا بابن ميسر - وبالمقريزي من بعده - إلى الاسترسال في بيان كنوز الفاطميين، إنما هو أنها نهبت في أيام الشدة العظمى بين سنتي (459 و464ه/1067 و1072م). وذهبت بقيتها طعمة للنيران.
وقد ذكر ابن ميسر أنه في سنة (460ه/1068م) قويت شوكة الأتراك، وطمعوا في المستنصر، وزادت مرتباتهم من 28 ألفا إلى 400 ألف دينار في الشهر، وطالبوه بالأموال، فاعتذر بأنه لم يبق شيء عنده، فألزموه ببيع ذخائره، فأخرجها إليهم وأخذوها بأبخس الأثمان.
5
كما ذكر أيضا في حوادث سنة (462ه/1070م) أن الجند امتدت أيديهم إلى نهب العامة، وأن عددا من التجار قدم إلى بغداد ومعهم ثياب المستنصر وكنوزه وأشياء كثيرة مما نهب وقت القبض عليه.
अज्ञात पृष्ठ
6
على أن أهم ما يذكره ابن ميسر، هو أنه رأى مجلدا من نحو عشرين كراسا، فيه بيان ما خرج من التحف والأثاث والثياب والذهب وغير ذلك.
7
ولسنا ندري تماما هل كان المجلد سجلا لتحف القصر، أو كان بيانا بما نهب أو تفرق من التحف.
وفضلا عن ذلك فإن ابن ميسر وصف الكنوز الفنية التي تركها الوزير الأفضل بن بدر الجمالي وصفا شائقا سنعود إلى بحثه في هذا الكتاب.
وقد كتب الأستاذ حسن إبراهيم حسن في كتابه «الفاطميون في مصر»: «يقول ابن ميسر أيضا: إن من هذه النفائس ما أرسله البساسيري إلى مصر سنة (450ه) حين أقام الخطبة باسم الخليفة الفاطمي المستنصر على منابر بغداد، وقد استولى عليها الأتراك أيضا سنة (460ه)، وكان مما بعث به البساسيري ثلاثون ألف قطعة كبيرة من البلور، وخمسة وسبعون ألف ثوب من الحرير الخسرواني وعشرون ألف سيف محلى بالذهب.»
8
ولو صح هذا لكان على جانب كبير من الخطورة؛ لأننا نعتقد أن قطع البلور المشار إليها كانت مما اختصت مصر بصناعته، ولم يكن هناك محل لإرسالها من العراق، ولكن الواقع أن النص الموجود في ابن ميسر بهذا الشأن،
9
وكذلك النص الذي يرادفه في المقريزي،
अज्ञात पृष्ठ