وكان أكثر المخطوطات المذكورة في جلود جميلة النقوش بديعة الصناعة، نسج المماليك على منوالها في صناعة التجليد في عصرهم، وأخذ الغربيون عنهم في العصور الوسطى كثيرا من أساليبهم في هذا الميدان.
10
وقد استولى الجند والأمراء على نفائس ما في خزانة الكتب، فتفرقت أكثر محتوياتها، وكان بعض العبيد والإماء يتخذون من جلودها أمدسة يلبسونها في أرجلهم، كما كانوا يحرقون ورقها قائلين: إن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم. وأهمل من الكتب عدد كبير سفت عليه الرياح التراب، فصار تلالا كانت باقية في زمن المقريزي وكانت تسمى تلال الكتب.
11
وبالرغم من ذلك كله فقد بقي في خزائن القصر الداخلية كتب لم تصل إليها يد العبث في أيام الشدة العظمى، واستطاع الفاطميون بعد تلك الأيام العجاف أن يعوضوا بعض ما فقدوه فيها، وأن يكون له خزانة كتب عظيمة بيعت عندما استولى صلاح الدين الأيوبي على قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين.
12
ونقل المقريزي عن ابن أبي طي في هذه المناسبة أنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقصر في القاهرة، ومن عجائبها أنه كان فيها ألف ومائتا نسخة من تاريخ الطبري.
13
ومهما يكن من شيء؛ فإن خزانة الكتب الفاطمية ذاع صيتها في العالم الإسلامي، وتشهد بذلك حكاية رواها أسامة بن منقذ عن أبيه، وفيها: أن قاضيا سافر إلى مصر في أيام الحاكم بأمر الله، فأحسن إليه وأكرمه ووصله بصلات سنية، فطلب القاضي إلى الخليفة الفاطمي أن يعفيه منها، وسأله أن يجعل صلته كتبا يختارها من خزانة الكتب الفاطمية، فأجابه الخليفة إلى ما أراد، وحمل القاضي الكتب معه في مركب إلى ساحل الشام، فتغير عليه الهواء فرمى بالمركب إلى مدينة اللاذقية وفيها الروم، فخاف على نفسه وعلى ما معه من الكتب، فكتب إلى جد أسامة بن منقذ كتابا يقول فيه: قد حصلت بمدينة اللاذقية بين الروم ومعي كتب الإسلام، وقد وقعت لك رخيصا فهل أجدك حريصا؟ فبعث إليه بمن قام بحراسته وحمل ما معه.
14
अज्ञात पृष्ठ