كان نديم يحيا حياة الشباب في مثل سنه، وكانت له صديقة تخرج معه ولكنها أخبرته في آخر مرة لقيته فيها أن خروجها وحدها أصبح مستحيلا؛ لأن أباها يرفض هذا كل الرفض، وحين احتالت عليه بأنها بعد المذاكرة تحتاج أن تستعيد نفسها بمشية تسترد فيها بعض الأنسام أمرها أبوها أن تصحب أختها معها، وكانت أختها في مثل عمرها، وكان نديم حائرا في تلك الأخت؛ فقد كان حين يخلو بسهام يستطيع أن يقبلها بل كان يستطيع في أغلب الأحيان أن يذهب إلى أبعد من ذلك حريصا دائما، كما كانت هي حريصة ألا يصل الأمر إلى إثارة عميقة.
وهكذا وجد في فرغلي بغيته ؛ فإنه يستطيع أن يبعد الأخت عن أختها وهو حر معها، وليس يعني نديم إن كان فرغلي سيستطيع أن يتقرب من قدرية أو هو سيكون معها ذلك الكيان المتحجر الذي يعرفه. وخرج أربعتهم، وكانت قدرية ذكية، والعجيب أنها أعجبت بفرغلي فشكله يمكن أن يكون مرضيا للنساء، هذا الطول في القوام، وهذه النظرة العازمة النافذة الحديدية، وهذا القلب الصلب المصمم، وهذا الوجه النحاسي الذي لا تجرؤ ابتسامة أو غضبة أن تعلوه، وهذا الشعر الخشن الذي أرغمه صاحبه في إصرار ألا ينفر إلى أعلى لا يهتاج إلى يمين أو شمال. فرغلي بهذه المعالم أعجب قدرية، ومع أن فرغلي لا يحتاج إلى جرأة فإنها هي التي بدأته بالحديث، ووهمت أنه صامت عن خجل ولو عرفته، وما كان لها أن تعرف، لاستبان لها عن شخص ألغى شعور الخجل من كيانه إلغاء تاما، وأي خجل يمكن أن يعرف ابن راقصة في الموالد، لو أنه عرف الخجل لاستحالت أمامه الحياة إلى ضروب مغلقة، وسكك مسكوكة. وهو يريد أن يبلغ من الزمان ما ليس يبلغه الزمن من نفسه لنفسه، ولكن من أين لها أن تعرف أن فرغلي طحن الخجل من نفسه منذ سنوات وسنوات، وأنه ذراه في الهواء فأصبح الخجل عنده هباء وأصبح هو كيانا بلا حياء. - اسمك فرغلي؟ - فرغلي. - ألا ترى أن بقاءنا هنا مع هذين الاثنين غير مرغوب فيه. - والله هذه أول مرة أخرج فيها مع ... - مع بنات. - أقصد ... أقصد ... مع نديم والآنسة. - نعم ... الآنسة ... وآنسة أيضا. - أليست آنسة؟
وردت سهام في تحد: آنسة طبعا غصبا عنك.
وقالت قدرية: وهل لأنها آنسة لا بد أن تقول لها يا آنسة. - هذه أول مرة أخرج ... - وافرض أنها أول مرة ... إذن فأنا الآنسة قدرية طبعا ... وأنت الأستاذ ... - يا ستي غلطة لسان ... الحق علي ... المهم. - المهم أن نترك الآنسة والأستاذ نديم. - وماله.
وتقول سهام: لا تغيبا.
ويقول نديم: بل غيبا كما شئتما.
وتقول قدرية في ضحكة خبيثة: والله هذا يتوقف على الأستاذ. - يا ستي الحق علي. - تعال. - جئنا. - ألم تخرج مع فتيات أبدا؟ - وهل خرجت أنت مع شبان؟ - سأقول لك. وإنما أريد أن أعرف عنك أولا. - أتريدين الحقيقة؟ - لا يهم. - فلماذا تسألين؟ - لنتكلم. - ولماذا نتكلم؟ - فكر لحظة على أية صورة تصبح هذه الحياة إذا لم نتكلم. - جميلة؛ جميلة كأنها ... كأنها الجنة التي يقولون عنها. - الجنة أيضا فيها كلام. - هل ذهبت إلى هناك؟ - لا، ليس بعد ولكني أتصورها. - خيالك واسع. - وأنت، ألا خيال لك؟ - كل هذه الأشياء التي أراها خيال بالنسبة لي. - فما الحقيقة عندك؟ - هي التي أصنعها بيدي. - يا ستار! أنت مخيف. - ربما ... - أتريد أن تخيفني؟ - الآن أريد أن أقبلك. - وما الذي يمنعك؟
ولأول مرة عرف فرغلي كيف يصنع كل شيء مع فتاة بكر، وتظل مع ذلك بكرا.
كان فرغلي في الإجازة لا يذهب إلى الديميرية، ولم يكن أبوه يطلب إليه أن يجيء؛ فقد ازدحم البيت بزوجته وبأطفاله الذين يتوافدون تباعا.
وفرغلي لم يكن يشتهي أن يرى أباه، ولا يعنيه أن يرى زوجة أبيه ولا أولاده، وإن كان شعوره بكره أبيه عميقا إلا أنه لم يكون أية مشاعر قبل زوجة أبيه أو أولادها؛ فهم لا يمثلون عنده عائلة بل لا يشكلون عنده شيئا على الإطلاق.
अज्ञात पृष्ठ