ख्याल के विचार
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
शैलियों
أقبل بعد هنيهة راداميس وأخذ يسامر حبيبته بين خمائل أشجار الحديقة وهو مفتون بحديثها الحلو، ثم سألته عن أسرار الحملة التي يعدونها لمواصلة الحرب ووسائل الهجوم وغيرها فأبى، فألحت عليه فباح لها بكل شيء، وكان أمونصرو كامنا وراء الأشجار على مقربة منهم وسمع الحديث كلمة كلمة، ثم ظهر أمام راداميس بهيئة الظافر الشامت فدهش وقال: ما أصابني؛ أجنون أم ذهول؟ أنت على مسمع مني يا أمونصرو؟ ماذا دهاني؟
وكانت أمنيريس ساهرة في هذه الساعة المتأخرة فباغتت راداميس وسمعت ما فاه به، فقبض عليه الكهنة واقتفى الحرس آثار عائدة وأبيها حتى لحق بهما، زج الجميع في غياهب السجن ريثما يحاكمون.
دخلت ابنة الملك السجن على راداميس وعرضت عليه النجاة إن أحبها وقبل أن يقترن بها فأبى، فخرجت يائسة خائبة الرجاء، وقد أظلمت الدنيا وضاقت في وجهها.
قضي على المجرمين بدفنهم أحياء، فتسربت عائدة وذهبت إلى سجن حبيبها ولبثت معه حتى وافاهما الأجل المحتوم.
اتبع «فيردي» في تلحين موسيقى عائدة النسق الحديث الراقي، وكتبها مترجما عما نفحه به خياله وشعوره دون أن يقلد أحدا، وهي من أعظم ما كتب في الموسيقى الحديثة الجدية، وتعد هي وريجوليتو (الملك يلهو) صفوة مؤلفات فيردي ، وقد جمعت بين فخم الحماسة ورقيق العواطف وشائق الوصف وظريف الرقص وغريبه، ومطرب الأناشيد وساحر الغرام وشجي الألحان ومذيب القلوب من الشكوى، وإني أكتفى بهذه الكلمة القصيرة في وصف موسيقاها؛ تجنبا لتفصيل يستلزم سرد اصطلاحات كثيرة فنية لا يعرفها إلا المشتغلون بالموسيقى الإفرنجية، أو المواظبون على سماعها وفهم أنواعها.
ليت شعري ما الذي حدا مريت باشا أن يسند إلى قواد الجيوش المصرية مثل هذه الفضائح، ويصور المصري أمام ملوك أوروبا على أشنع صورة، إذ جعله مثالا لضعف الإرادة وخور العزيمة والخيانة ببيع وطنه لأجل حب أسيرة حبشية، ويرفض لأجلها زواج ابنة الملك، ثم أبى بعد إجرامه وسجنه أن يجيب طلبها حينما وافته في السجن ووعدته بالخلاص إن قبل زواجها، فأصر على عناده إلى أن مات في رمسه الذي أعد له تحت أطباق الثرى؟
إذا التمسنا له عذرا لجهله اللغة الهيروغليفية واستعانته بالمسيو «ماسبيرو» وكان وقتئذ مدرسا في كلية فرنسا بباريس في ترجمة ما كان يصادفه من الأساطير البربائية والهيروغليفية المنقوشة على الآثار، فلا يعدم أن يتخيل خيالا شريفا أو يستعين بالملخصات التي وضعها بعض المؤرخين في ذاك الوقت، مثل شامبوليون فيجاك وأخيه شامبوليون الصغير، وهو أول من فك رموز اللغة الهيروغليفية.
إن فكرنا في عمله هذا عزوناه إلى أحد أمرين؛ إما سوء القصد، وإما الغفلة المتناهية وغلظة الذوق، وكلاهما لا يغتفران لرجل مثل هذا أسندت إليه وظيفة فخمة فنية ومنح أسمى الألقاب والمرتبات.
ولا ينسى المصريون بل العالم المتمدين أجمع هذه النقطة السوداء التي شابت تاريخ هذا الرجل بل سودته؛ لأن شهرة موسيقى الرواية تضمن لها البقاء أبد الآباد، ولا يزال هذا التذكار الممقوت خالدا خلال الدهور يمثل المصري القديم أقبح تمثيل ظلما وعدوانا، وهو مثال الشرف والشمم ومكارم الأخلاق، وأول من تمدين على ظهر الأرض، ومن استنار بنور عرفانه المشرقان، وهذه آثاره باقية ناطقة بجليل أعماله ومجيد فعاله.
تلك آثارنا تدل علينا
अज्ञात पृष्ठ