الشريعة، والغَزْو وهو النصرة، والطاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الأُلفة، والأمر بالمعروف وهو الوفاء، والنهي عن المنكر وهو الحجة، فأتمهن، وقام بهن، ووفَّى بهن، فقال الله تعالى له: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: من الآية ١٢٤] (١).
الكلام على تفضيل هذه الأشياء وأنَّ ما أوتي محمد ﷺ منها مثلُها أو ما يوازيها على أتم مما أوتيها إبراهيم ﵊ وأكمل وأفضل
فأما العشر التي في سورة براءة فقوله: ﴿التَّائِبُونَ﴾ [التوبة: من الآية ١١٢] فقد أوتيها محمد ﷺ بل وكثير من أمَّته، فإنه ﷺ قال: «استغفروا الله وتوبوا إليه فإنِّي أتوب إلى الله في اليوم مائة مرّة» (٢)، وفي أمّته من يفعل ذلك وقريبًا منه كثير، وقوله: ﴿الْعَابِدُونَ﴾ [التوبة: من الآية ١١٢] فبعبادته تضرب الأمثال وحالُهُ فيها لاتطاق، فقد كان يقوم حتى تتفطر قدماه (٣)، ويصوم حتى يُقال لا يفطر، وكنت لاتشاء أن تراه من الليل قائمًا إلا رأيته (٤)، وكان يقوم من الليل ما شاء الله ثم ينام ثم يقوم ثم ينام ثم
يقوم (٥) وهذه حالةٌ لا يتمكن منها أحد غيره في الليلة الواحدة، وكثير من أمَّته كان يُحيي
_________
(١) انظر الأقوال في تأويل الآية: الكشف والبيان (١/ ٢٦٨ - ٢٦٩)، للثعلبي.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب العلم، باب استحاب الاستغفار والاستكثار منه، بلفظ: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة»، ح ٢٧٠٣.
(٣) تقدم تخريجه، انظر: ص ٣٤٨.
(٤) أخرج البخاري في صحيحه (٢/ ٥٢)، كتاب التهجد، باب قيام النبي ﷺ بالليل من نومه وما نُسخ من قيام الليل، ح ١١٤١، عن أنس ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ يُفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يُفطر منه شيئًا، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًّا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته".
(٥) قال الإمام ابن عبدالبر معلقًا على قول عائشة ﵂: "ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة: «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» "، قال ابن عبدالبر: "وأما قولها في هذا الحديث أتنام قبل أن توتر فإنه لا يوجد إلا في هذا الإسناد ففيه تقديم وتأخير لأنه في هذا الحديث بعد ذكر الوتر، ومعناه أنه كان ينام قبل أن يصلي الثلاث التي ذكرت، وهذا يدل على أنه كان يقوم ثم ينام ثم يقوم فينام ثم يقوم فيوتر، ولهذا ما جاء في هذا الحديث أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا أظن ذلك والله أعلم من أجل أنه كان ينام بينهن فقالت أربعًا ثم أربعًا يعني بعد نوم ثم ثلاث بعد نوم ولهذا ما قالت له أتنام قبل أن توتر". التمهيد (٢١/ ٧٢).
1 / 354