قال: يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم فدعا بها فوالله ما برحنا حتى خرجت من أذنه ولها طنين حتى أصابت الحائط وبرأ" (١)؛ والمشي على الماء في السفينة أمر معلوم معهود والنجاة فيه غير مستبعدة، ومشيُ العلاء بن الحَضرمي وأصحابه بخيولهم ودوابِّهم وحمُولهم على متن الماء بلا سفينة أعظم بالنسبة إلى معجزة محمد ﷺ مِن مشي نوح ﵇ ومن معه في السفينة واستجيبت دعواته كما استجيبت دعوة نوح ﵇ أيضًا، فكرامة الأمَّة (٢) من معجزة نبيِّنا ﷺ، وسيأتي قصة سعد بن أبي وقاص ﵁ وأصحابه في فتح أبيض كسرى (٣) إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: إن الله تعالى أعطى نوحًا ﵊ ما سأل من شِفَاء غيظه في إجابة دعوته على قومه بتعجيل النقمة عليهم حين كذَّبوه وكفروا بما أُرسل به فأهلك بدعوته مَن على بسيط الأرض مِن صامتٍ وناطقٍ إلا مَن آمن به ودخل معه السفينةَ وكانوا قليلًا كما قال تعالى: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: من الآية ٤٠] وكانوا فيما قيل: ثمانين نفسًا أو نحوها، قلنا: هذه فضيلة عظيمة وآية جسيمة وافقَتْ سابِق القَدَر في هلاك مَن هلك لكن فضيلة نبيِّنا صلوات الله عليه وسلامه أكمل، ومعجزته أجمل، وعاقبتها أحسن، وصورة الواقع فيها أبين، وذلك أنه لمَّا كذَّبه قومُه [ق ٥/و] وآذوه وبالغوا في أذاه جاءه الملك من ربِّه يُخيِّره في أن يُطبِق عليهم الأخشبَيْن: أخشبَي مكة يعني: الجبلين المكتنفين لها، فقال: «بل أرجو أن يُخرج الله من
أصلابهم مَن يعبد الله لايشركُ به شيئًا» (٤)، فكان ما رَجَا من ذلك وزيادة، ولمَّا أسْرَف
_________
(١) أخرجه ابن أبي الدنيا بنحوه في مجابي الدعوة -موسوعة رسائل ابن أبي الدنيا- (٤/ ٤١)، كما ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (١/ ٦٩٦ - ٦٩٧).
(٢) في ب "الأولياء".
(٣) أبيض كسرى: مُلك كسرى، وإنما قال الأبيض لبياض ألوانهم ولأن الغالب على أموالهم الفضة. انظر: النهاية (١/ ٥٤١).
(٤) أخرجه البخاري (٤/ ١١٥) بنحوه في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه، ح ٣٢٣١؛ وأخرجه مسلم (٣/ ١٤٢٠) كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين، ح ١٧٩٥.
1 / 332