ज्ञान का नक्शा
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
शैलियों
يبدو أن «المدرسة» الطبية في ساليرنو كانت مستقرة تماما بحلول القرن العاشر؛ إذ بلغت سمعتها الدولية مبلغا جعل أسقف فردان يسافر إلى هناك للعلاج في ثمانينيات القرن العاشر؛ لا بد أنه كانت لديه ثقة كبيرة في العلاجات التي كانت تقدم جعلته يخاطر بالقيام بهذه الرحلة الطويلة والمحفوفة بالمخاطر من أقصى شمال فرنسا. لعله سمع عن الينابيع الحارة أو عن فوائد الاستحمام في خليج ساليرنو، وهما أمران كانا جزءا من النظام العلاجي المقدم. يبدو أنه كان يوجد العديد من المستشفيات في المدينة، وكان كثير منها مستوصفات ملحقة بالكنائس، وفي بداية الأمر، كان كثير من الأطباء من رجال الدين. وبعد أن أصبح الطب أكثر تخصصا وأكاديمية في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، كان من المرجح على نحو متزايد أن يكون ممارسوه من العلمانيين، فلم يعد الاشتغال بالطب قاصرا على رجال الكنيسة بوصفه مهنة فرعية. وبحلول أوائل القرن الحادي عشر، كان الباحثون في ساليرنو قد أنتجوا نصين طبيين رئيسيين. الأول، الذي كتبه جاريوبونتس، هو «المجموعة الطبية»، التي تصف الأمراض وعلاجاتها ، بداية من أعلى الرأس مرورا بسائر الجسد ووصولا إلى أخمص القدمين. ويعتمد النص الثاني، الذي كتبه بترونيلوس، البنية نفسها. ويستنسخ الاثنان بالأساس معلومات من أجزاء من المؤلفات الجالينوسية والأبقراطية ومن كتاب «عن المواد الطبية» والتي كانت قد بقيت في موسوعات أواخر العصور القديمة، ولكن المحتوى منسق في شكل عملي أكثر؛ مما يظهر أن الأطباء في ساليرنو استندوا إلى نظريات قائمة في العلاج العملي للمرضى.
4
في ذلك الوقت، كانت قوة الطب الساليرني تكمن في تركيزه على الأدوية الشافية العملية والعلاجات والحمية، ولكن نشأة مجموعة مؤلفات للطب النظري كانت قد باتت وشيكة.
جاءت مجموعة المؤلفات هذه إلى ساليرنو بفضل قسطنطين الأفريقي. وليس من قبيل المفاجأة أن المعلومات عن حياته قليلة، وواهية في هذا الشأن. توجد صيغ عديدة لسيرة حياته، يتناقض بعضها مع بعض تناقضا واضحا في نقاط عديدة.
5
أكثر تلك الصيغ خيالية هي التي ذكرها المؤرخ بطرس الشماس، الذي ينتمي إلى مونتيكاسينو والذي يفتقر إلى الموثوقية إلى حد شنيع، لكنها تشتمل على قائمة مؤلفة من عشرين ترجمة من تراجم قسطنطين. أكثر صيغة يعتمد عليها هي صيغة ماثيو إف، وهو طبيب ساليرني من منتصف القرن الثاني عشر، وهي مدرجة في حاشية ترجمة قسطنطين لكتاب عن الحمية الغذائية. من هذه البلبلة، يمكن التحقق مما يلي: ولد قسطنطين فيما نعرفه حاليا باسم تونس، ربما في القيروان أو بالقرب منها، وقدم إلى ساليرنو في البداية بصفته تاجرا، رجل أمضى وقته في الإبحار في الممرات البحرية في جنوب البحر المتوسط، ومر سريعا بالساحل الصخري إلى القاهرة. يمكننا تخيله يقف على سطح مركب خشبي، وعيناه تحملقان في وهج شمس شمال أفريقيا، ويجول بناظريه في الأفق بحثا عن علامات خطر؛ كالصخور، أو الشعب المرجانية، أو العواصف، أو القراصنة. كشأن رفاقه التجار، سافر قسطنطين أيضا إلى صقلية؛ وهي رحلة محفوفة بالمخاطر كانت تجبر السفن على مبارحة المياه الساحلية الآمنة، بمعالمها المطمئنة وموانئها المعتادة، والخوض مباشرة في البحر المفتوح، متجهة شرقا لأكثر من 300 كيلومتر. في يومنا هذا، هي عبارة عن رحلة مدتها نحو عشر ساعات بالعبارة، ولكن، في القرن الحادي عشر، كان من الممكن أن تستغرق ثلاثة أيام، حسب الريح والطقس ومهارات قائد السفينة. كان قسطنطين ليتوقف في صقلية في طريقه إلى ساليرنو . يمكننا تخيل البحارة على سطح السفينة يبحثون عن أول مرأى لليابسة على مرمى البصر؛ جزيرتي فافينيانا وماريتيمو، أو المسطحات الملحية على الساحل، بالقرب من مارسالا، التي تتلألأ عن بعد. بعد أن أنهى عمله في باليرمو، لا بد أن القارب قد انطلق عبر البحر التيراني، متتبعا أولا انعطاف الساحل الصقلي، ثم انعطاف ساحل جنوب إيطاليا، على جانبه الأيمن. في المرحلة الأخيرة من الرحلة، وقعت كارثة. كانت سفينة قسطنطين قد أبحرت لتوها عبر خليج بوليكاسترو وكانت تسلك سبيلا متعرجا على طول الساحل عندما هبت عاصفة. انقلبت السفينة ودارت حول محورها، والأمواج تصطدم على السطح، وأثناء الاضطراب، أتلفت بعض المخطوطات؛ مما أثر على جودة التراجم التي مضى قسطنطين في إنجازها.
حسب أكثر كتاب سيرته الذاتية موثوقية، كان قسطنطين قد أمضى ثلاث سنوات في شمال أفريقيا يجمع هذه الكتب، قبل أن يعود إلى إيطاليا. وقد مثلت هذه الكتب، مجتمعة، كامل نطاق الدراسات الطبية المتاحة في هذا الجزء من العالم الإسلامي، والمنحدرة مباشرة من التقليد الإسكندري، الذي انتقل إلى المدن الإسلامية على طول ساحل الشمال الأفريقي، على نحو ما انتقل إلى إيطاليا والقسطنطينية. من الوارد أن يكون قسطنطين قد عثر على بعض منها في المسجد الكبير بالقيروان، الذي كان مركزا فكريا مزدهرا اجتمع فيه الباحثون للدراسة والنقاش تحت الأقواس التي تتخذ شكل حدوة الحصان، والتي كانت تحملها المئات من الأعمدة القديمة المأخوذة من أطلال المعابد الرومانية واليونانية المجاورة. كان الطب أحد الشواغل الرئيسية في المدينة، التي اشتهرت بأطبائها المهرة وكانت، نتيجة لذلك، مكانا جيدا للعثور على النصوص الطبية الحديثة. عاد قسطنطين ومعه أفضل ما أمكنه العثور عليه؛ نسخ من كتاب حنين بن إسحاق «إيساغوجي»، وكتاب المجوسي «الكامل»، وكتب عن البول والحمى والحمية الغذائية للباحث اليهودي إسحاق بن سليمان الإسرائيلي (توفي سنة 979)، وكتاب «الحاوي » للرازي، ودليل طبي للمسافرين للطبيب القيرواني الجزار (895-979)، وأطروحة عن الاتصال الجنسي، تسمى «الجماع». من المحتمل أن يكون هو نفسه قد ترجم كثيرا من هذه الكتب إلى اللاتينية. وجلب أيضا كتابا عن السوداوية ، وهو مرض نفسي أشار قسطنطين بحزن إلى أنه كان «مستشريا جدا في هذه المناطق».
8
أصبحت هذه النصوص أساس المنهج الدراسي الطبي في أنحاء أوروبا كافة. وستظل مؤثرة لقرون، مع إصدار نسخ مطبوعة في ليون سنة 1515، وبازل سنة 1536. لم يترك قسطنطين لنا أي فكرة عن السبب وراء قيامه بهذا الأمر الاستثنائي، وما الذي دفعه إلى تكريس حياته لجلب المعرفة الطبية إلى قارة كان بالكاد يعرفها؛ ولا يسعنا إلا التخمين بشأن دوافعه.
بعدما استقر قسطنطين في ساليرنو، كان يجب أن يتعرف على كبير أساقفة المدينة، ألفانو، الذي شاركه ولعه بالطب. وكشأن كثير من الباحثين الذين التقينا بهم في هذه الرحلة، كان ألفانو شخصية غير عادية؛ فقد كان باحثا موهوبا، لديه اهتمامات فكرية منتقاة ضمت الأدب الكلاسيكي والعمارة وعلم اللاهوت والعلوم. كانت عائلته ثرية وذات نفوذ؛ مما ضمن له أن ينتفع بالحصول على أفضل تعليم كان يقدم. كان ألفانو شاعرا بارعا، أشرف على بناء كاتدرائية جديدة، وكان أيضا طبيبا موهوبا وفي مقدمة مؤيدي المدرسة الطبية. بعدما أتقن اللغة اليونانية أثناء زيارته للقسطنطينية وهو شاب، قدم ترجمة لنص يسمى «حول طبيعة الإنسان»، وهو نص ربما يكون قد حصل عليه في أسفاره في الشرق، والتي شملت الحج إلى بيت المقدس. كان هذا النص عبارة عن عمل فلسفي واسع النطاق، كتبه في القرن الرابع نيميسيوس، أسقف إيميسا (حمص الحالية)، الذي كان متأثرا بشدة بكتابات جالينوس وأفلاطون وأرسطو. في إطار تقديمه لترجمته، بدأ ألفانو عملية استحداث حصيلة مفردات تقنية لاتينية جديدة ليعبر بها عن الأفكار العلمية والفلسفية المعقدة في أطروحة نيميسيوس. في الفترة الزمنية نفسها تقريبا، كان قسطنطين يترجم كتاب «إيساغوجي»، وربما يكون الرجلان قد تعاونا معا؛ فمن المؤكد أنه كان لديهم كثير من الأمور التي يمكنهم أن يتحدثوا معا بشأنها. أمد ألفانو، الذي كان يتوفر له ثروة ونفوذ عائلته ونفوذ الكنيسة أيضا، قسطنطين بالدعم المالي، فدفع له مقابل ترجمته لمجموعة المجوسي الطبية الضخمة، المسماة «الكليات». بدوره، وشعورا بالقلق إزاء المشكلات الصحية التي كان يعاني منها صديقه ، قدم قسطنطين مجموعة من النصائح حول أمراض المعدة. وبدأ الرجلان معا في إحداث ثورة في دراسة الطب في ساليرنو وخارجها، فاستحدثا مصطلحات لاتينية جديدة لجلب الثروة المعرفية اليونانية العربية إلى أوروبا الغربية.
अज्ञात पृष्ठ