ज्ञान का नक्शा
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
शैलियों
امتلكت كل مدينة من المدن التي زرناها في هذا الكتاب طبوغرافيتها الخاصة وطابعها المتفرد، ولكن اشتركت كلها في الظروف التي أتاحت الازدهار للبحث العلمي؛ من استقرار سياسي وإمدادات منتظمة من التمويل والنصوص ومجموعة من الأفراد الموهوبين الشغوفين بالعلم، والسمة الأبرز، مناخ من التسامح وعدم التمييز تجاه الجنسيات والديانات المختلفة. وهذا التضافر أحد أهم عوامل تطور العلم؛ فبدونه لن يكون ثمة ترجمة، ولا انتقال للمعرفة عبر الحدود الثقافية ولا فرصة لصهر الأفكار من تقليد ما مع أفكار تقليد آخر. والباحثون الذين جعلوا هذا التعاون ممكنا هم نجوم الحكاية؛ هم الرجال الذين شدوا الرحال لخوض غمار المجهول، الذين كرسوا حياتهم للعثور على كل تلك الأفكار والنظريات المدهشة واستيعابها، والحفاظ عليها وتبادلها. وقدرتهم على التساؤل وتصميمهم على إضفاء النظام والوضوح على فوضى الابتكار البديعة، هو ما قاد الاكتشاف العلمي وأبقاه حيا خلال الألف عام بين عامي 500 و1500.
طوال هذه الرحلة، حاولنا أن نلقي نظرة داخل «دار الحكمة» المحيرة من الماضي البعيد، حيث جرى ذلك النشاط الفكري. لم يكن أمرا سهلا؛ فلا أثر باقيا لبيت الحكمة في بغداد، ولا لمدرسة الطب في ساليرنو، ولا وجود إلا لأطلال يكسوها التراب أو لحرم كاتدرائيات غير واضح المعالم، لا يزال باقيا في المدن الأخرى، وحتى في فينيسيا، التي هي أقرب ما يكون زمنيا إلى وقتنا الحاضر ، فإن الطريقة الوحيدة للتعرف على دار طباعة ألدوس مانوتيوس هي لوحة معلقة على الجدار. وبتنحية الأدلة الأثرية جانبا، نعلم أن الكتب التي تتبعناها لا بد أن تكون قد وضعت على الأرفف وقرئت في أماكن شتى، كالمكتبات الملكية والكنائس الصغيرة بداخل الكاتدرائيات وقاعات الدرس والحدائق والمراصد. بحلول عام 1500، كانت هذه الأماكن قد أصبحت أكثر عددا وتنوعا ووضوحا من أي وقت مضى، وإبان القرن التالي، أقيمت مسارح تشريحية ومراصد، وزرعت حدائق نباتية، وأنشئت قاعات محاضرات ومكتبات عبر أرجاء المشهد الفكري، وكان باستطاعة الباحثين أن يعملوا معا ويحققوا أقصى استفادة من المعدات الآخذة في التطور لدراسة عالم الطبيعة. لعبت الجامعات دورا حيويا في التعليم، ولكنها لم تكن في العادة موقع البحث العلمي الأكثر تطورا.
2
فعادة ما كان الدخول إلى مكتباتها متعذرا، شأنها في ذلك شأن المكتبات الملكية، كما كان نهج التعلم فيها محافظا. لهذا السبب، أقام الباحثون مراكزهم البحثية الخاصة بهم؛ ولذلك جرى كثير من الإنجازات العلمية العظيمة بمنأى عن الأنظار في أماكن خاصة، وليس في أماكن رسمية. ومع اكتساب الثورة العلمية زخما في أواخر القرن السابع عشر، أنشئت المؤسسات والجمعيات لتسهيل التعاون، وأصبحت المقرات الرسمية للتخصصات العلمية الناشئة.
ومع ذلك، غالبا ما كانت هذه الأماكن تقوم دوما على مجموعة من الكتب، وكان بعضها ذائع الصيت بحيث كان يعمل باعتباره مؤسسات بحثية غير رسمية. كانت كوكبة من الباحثين وأعضاء من النخبة الإليزابيثية، وفي ذلك الملكة إليزابيث الأولى نفسها، يأتون لزيارة منزل جون دي على نهر التيمز في مورتليك، مقر أروع مجموعة من النصوص العلمية في إنجلترا في أواخر القرن السادس عشر. لم تكن الكتب وحدها هي ما يجتذبهم، وإنما أيضا المجموعة الضخمة من الخرائط والأدوات والأغراض النادرة أو الغريبة التي امتلكها جون دي، وبالطبع كان يجتذبهم جون دي نفسه. كانوا يأتون لوضع مخططات لرحلات استكشافية ومن أجل مناقشة الفلسفة ودراسة السجلات التاريخية واكتشاف أسرار الخيمياء ومحاولة مناجاة الملائكة.
أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت جوانب كثيرة من الطب الجالينوسي وفلك بطليموس قد فقدت مصداقيتها واستعيض عنها بأخرى، ولكن هذا لم يحدث أبدا لإقليدس. فقد احتفظت أطروحة «العناصر» بمكانتها باعتبارها النص الرياضي الأساسي، وترجم وطبع بكل اللغات المحلية الأوروبية الرئيسية وبيع في محال بيع الكتب في أنحاء القارة. وفي عام 1570، نشرت أول ترجمة إنجليزية كاملة، وكانت طبعة مذهلة تحتوي على رسوم بيانية منبثقة، وحرره جون دي، كما أشرنا في المقدمة. في التمهيد، أدرج دي كل فروع المعرفة التي يمكن تطبيق الرياضيات فيها تطبيقا مفيدا، وشدد على أهمية جعلها متاحة لأكبر قدر ممكن من الناس، وكانت هذه سمة بارزة للعصر الأول للطباعة. ترجمت آلاف الكتب إلى اللغات المحلية لخدمة عدد متزايد من القراء المهتمين، وكذلك أصبح شائعا على نحو متزايد أن يكتب الكتاب بلغتهم الأم؛ وهو أمر كان قد بدأه الإنسانيون الإيطاليون الأوائل وانتشر تدريجيا إلى بقية أوروبا.
لم يغير تزايد استخدام اللغات المحلية من حقيقة أن اللغة العالمية للعالم الفكري كانت لا تزال هي اللغة اللاتينية. لم تنل الطباعة باللغة اليونانية رواجا على النحو الذي كان ألدوس يرجوه؛ فببساطة لم يكن يوجد ما يكفي من الناس الذين يعرفونها لجعلها خيارا مجديا لمعظم المطابع. كان أعضاء جمهورية الرسائل يراسل بعضهم بعضا باللغة اللاتينية، ويتبادلون الكتب والرسائل، ويتجادلون ويتعاونون عن طريق شبكة متنامية من الأنظمة البريدية. ومع تطور مقومات بيع الكتب، أصبح أمر الحصول على النصوص أيسر؛ مما ساعد على تبادل الأفكار. ومع حلول الورقة المطبوعة الثابتة (نسبيا) تدريجيا محل المخطوطة الهشة، أصبحت المعرفة موحدة وأكثر دقة. كذلك أصبحت أيسر في الوصول إليها والتشاور بشأنها؛ إذ أضاف المحررون والكتاب فهارس أبجدية، وصفحات محتويات، ورسوما بيانية، ورسوما إيضاحية ومسارد؛ وهي الأدوات النصية التي نعتبرها الآن من المسلمات.
في عام 1500، كانت أوروبا على وشك الدخول في الثورة العلمية، الاكتشافات المزلزلة التي هيأت الظروف التي يزدهر فيها العلم في يومنا هذا. وما كانت تلك الاكتشافات لتتيسر لولا قرون الأفكار والبحث والكتابة التي سبقتها، والتي شكلت خيوطا متصلة من المعرفة. سافرت الأفكار، المدرجة في الورق، في أرجاء منطقة البحر المتوسط، تنشر النور في أماكن مختلفة في أوقات مختلفة في التاريخ. وإذ ننظر إلى الماضي من وجهة نظرنا بصفتنا أشخاصا نعيش في القرن الحادي والعشرين، يمكننا أن نرى موجات انحسار وارتفاع هذه المعرفة وفترات التسارع وفترات الركود والأفكار التي رفضت وفقدت، وتلك التي أعيد اكتشافها وإحياؤها من جديد بعد قرون. لم يكن طريقا مستقيما، وإنما مر بمنعطفات وانحرافات، ودار في دوائر واختفى عند طرق مسدودة، قبل أن يعود من جديد ويتابع المضي قدما.
في القرون الأخيرة، أحدثت الابتكارات التكنولوجية تحولا في المعرفة العلمية؛ ففي الفترة التي تلت عام 1500، ظهر ابتكاران، أحدث كل منهما تغييرا في قدرتنا على رصد العجائب التي تحيط بنا، فقرب نهاية القرن السادس عشر، ابتكر صانع نظارات هولندي وابنه ميكروسكوبات بدائية بوضع عدسات مكبرة في أنبوب دائري، وبعد ذلك بمائة سنة، استخدم هولندي آخر يدعى أنطون فان ليفينهوك، فكرتهما وأنشأ أول ميكروسكوب صالح للاستخدام؛ فقد شحذ وصقل 550 عدسة منفردة ووضعها داخل أنبوب؛ فأعطى هذا قوة تكبير بلغت 270 مرة، مما أتاح، للمرة الأولى، رؤية ميكروبات تنمو في الخميرة وكريات دم تتسابق عبر الشعيرات الدموية. من هذه اللحظة فصاعدا، بدأت تنكشف عوالم لم تكن متخيلة من التفاصيل الدقيقة؛ مما أحدث تبدلا هائلا في المشهد الفكري وثورة كبيرة في مجال الطب.
في أوائل القرن السابع عشر، أخذ عالم الفلك جاليليو جاليلي التليكسوب الذي كان قد اخترع منذ عهد قريب، وعدله ووجهه نحو سماء الليل. وللمرة الأولى في التاريخ الطويل للتحديق في النجوم، أمكن رؤية ما يقع وراء حدود العين البشرية، وكشف الكون عن نفسه بتفصيل أكبر وأعجب من أي وقت مضى. ومنذئذ، أتاحت لنا الآلات المتزايدة القوة أن نرى أبعد وأبعد في أعماق الكون الباردة وأن نرى سطح القمر والكواكب نفسها. يمنحنا الاختراع البشري قدرات رصد متزايدة باستمرار، ولكن كلما زاد نطاق رؤيتنا، ظهر المزيد. إن عالمنا هو عالم يبدو لا متناهيا في تعقيداته وعجائبه، التي يكشفها لنا العلم.
अज्ञात पृष्ठ