فأجاب وهو يضحك: زبون! - الدنيا نامت، فكيف بقيت أنت في الداخل؟ - وما شأنك أنت؟ - يا سكير، يا عربيد، ستدفع ثمن وقاحتك. - ليس معي مليم واحد! - إني أعرف صوتك، رغم السكر فإني أعرف صوتك. - من الذي لا يعرف أحمد عنبة! - عربجي الكارو! - بعينه .. هل من خدمة يا شاويش؟
وصفر العسكري، فأرهب سكون الليل، وتحسس الرجل الجدار فوق الطاولة حتى عثر على مفتاح الكهرباء، فأضاء المصباح، وقطب وهو يضيق عينيه، ومضى يتفحص المكان بعناية، حتى استقرت عيناه الحمراوان الجاحظتان على موقد الجاز وصفيحة الجاز، ودار رأسه ودارت به أفكار في سرعة، فلم يكد يمسك بإحداها ثانية واحدة، وكاد ينسى العسكري وصوته، ولكن ترامت إليه من الخارج ضجة وضوضاء. آه! .. ضابط النقطة، وعساكر، وسكان الأرصفة من جامعي الأعقاب، وآخرون، وميز صوت مانولي، فصاح بغضب: مانولي!
فقال الرجل باضطراب: أنا مانولي يا عم أحمد. - لا تفتح الباب .. عند أول حركة في الباب، ستصبح حانتك شعلة من النيران. - لا .. لا تحرق نفسك! - لا شأن لك بي يا مانولي، الجاز في كل مكان، فوق الأرض والبراميل والمقاعد والمناضد، وها هو عود الكبريت في يدي .. احذر يا مانولي.
قال الرجل باضطراب واضح: هدئ أخلاقك، لن أفتح حتى تأمر. - من أين لك هذا الأدب يا مانولي؟! - طول عمري مؤدب .. هدئ أخلاقك، وقل لي ماذا تريد؟ - عندي كل ما أريد. - ألا تريد أن تخرج؟ - ولا أن يدخل أحد. - لا يمكن أن تبقى في الداخل إلى الأبد! - ممكن جدا، عندي كل ما أريد. - أنا آسف، لقد أغلقت الباب عليك خطأ! - أنت تكذب، وأنت تعرف أنك كاذب. - ولكن ذلك حصل بالفعل. - تعرف أني هنا لأسرق! - لا شيء عندك يستحق السرقة. - وبراميل النبيذ السام؟ - كل ما شربت هدية مني إليك. - ولا مليم في الدرج! - ليس الدرج للنقود. - لماذا تغلقه إذن يا مانولي؟ - عادة سيئة، هدئ أخلاقك ولا تحرق نفسك. - أنت خائف علي؟ - طبعا .. البراميل طظ، ولكنك روح. - كذاب يا مانولي، وسل العساكر حولك.
في أثناء ذلك قام رجال الشرطة بنشاط واسع، أخلوا البيت الذي في أسفله الحانة، واتصلوا بأصحاب الحوانيت الملاصقة للحانة من تجار الخشب والبوية والخردوات، العاملين في الطريق المهدد بالدمار، وسرعان ما أقبلت سيارات الحريق وأخذت أهبتها، وقهقه أحمد عنبة طويلا، وصاح: العود في يدي يا مانولي.
فقال الرجل بانكسار: لا ذنب لي، هدئ أخلاقك. - شربت خمس زجاجات في صحة خراب بيتك. - اشرب السادسة، ولكن لا تحرق نفسك.
وراقته الفكرة، فمد يده إلى الرف، ثم استأنف الشرب، وشعر بأنه يستمتع بآخر وقت طيب متاح، وجاءه صوت هادئ يقول، وقد سكنت الضوضاء: يا أحمد!
آه .. لا يمكن أن يخطئ هذا الصوت العميق الغليظ. - حضرة الضابط؟ - نعم. - أهلا وسهلا. - يجب أن تعقل، وتتركنا نفتح الباب. - لم؟ - ليتسلمه صاحبه. - الخمارة لمن يشرب! - اعقل يا أحمد. - وأنا؟ - ستخرج آمنا سالما. - وبعد ذلك ؟ - لا شيء البتة. - حتى أنت تكذب كمانولي! - ستسأل عن وجودك في الحانة، ولكن واضح أنك نمت من السكر، وفقدت وعيك، ولا ذنب عليك. - والأدراج المكسورة؟ - فعلت ذلك دون وعي، وتحت تأثير السكر. - آه منك! .. والصفع والضرب والسب والسجن؟! - لا .. لا .. أعدك بأحسن معاملة.
وأفرغ الزجاجة أو كاد، ثم صاح: أحمد عنبة سلطان الترك والعجم، وكلكم ركش. - الله يسامحك. - يا حضرة الضابط أنا فاهمك. - الله يسامحك. - أتذكر يوم بال الحمار أمام النقطة وأنت خارج؟ - لم أفعل شيئا. - تركت الحمار وصفعتني أنا. - مجرد مداعبة. - جاء دوري في المداعبة! - ولكن لا تقتل نفسك. - نفسك! .. هل تهمك نفسي حقا؟ - طبعا! وتهمني سلامة الناس والدكاكين. - الناس في الخارج والدكاكين أشياء لا أتعامل معها. - ولكنك تخاف الله. - أنت لا تخاف الله! - وتكره الأذى. - أنت تحب الأذى. - الله يسامحك. - عود الكبريت في يدي، فابتعدوا عن الباب.
وأتى على بقية الزجاجة، وراح يغني «في العشق ياما كنت أنوح»، ولما انتهى من المقطع الأول جاءه صوت الضابط: أحسنت يا عم، ولعلك عدت إلى عقلك.
अज्ञात पृष्ठ