وملأ الكأس من جديد، وزايل وجهي العبوس، وطربت لغير ما سبب، وغادرته وأنا أدعو لمودتنا المتبادلة بالخلود.
وازددت مع الأيام إعجابا بحيويته، وكنت أسترق إليه النظر مستطلعا، ولكني لم أعثر على آية من آيات الكبر، وها هما عيناه تشعان بقوة كبلورتين لا يعتورهما تلف، فمن أين تجيئه القوة المتجددة؟ - هل تشرب كثيرا يا فاسيليادس؟ - كلا يا حبيبي، كأس واحدة قبل الغداء. - والعشاء؟ - عشائي لبن زبادي، وخس، وتفاحة. - أليس في حياتك أحزان؟ - مثل جميع الناس، ولكني لا أستسلم للحزن كأكثر الناس!
ولاحظ أنني هجرت مجلسي التقليدي إلى مقعد وراء البرافان، الذي يفصل القهوة عن ركن الشراب، فقال: ألاحظ أنك تفضل الاختفاء.
فضحكت عاليا، وقلت: ابني اليوم في سن الشباب، وقد رأيته مرة وهو يمر أمام القهوة في رفقة بعض الصحاب. - عجيب أن يخاف الأب ابنه! - شد ما أعاني من الأبناء. - لماذا يا سيدي، وأنت الرجل الطيب؟ - لا نكاد نتفق في رأي أو ذوق، وأشعر حقا بأني غريب. - ولماذا تريدهم على أن يكونوا مثلك؟ - على أيامنا ...
ولكنه قاطعني: أيام الترقيات والعلاوات الموقوفة!
فلم أتمالك نفسي من الضحك، وقلت: إذن، فأنت لا يزعجك تمرد الأبناء! - تعلم منهم! .. تعلم منهم إن استطعت .. خذ.
فرفعت الكأس وأنا أهتف: «في صحة التمرد والعصيان!»
ورغم أن الشخص هو آخر من يعلم بفعل الزمن في ذاته، فقد أقنعتني علامات لا سبيل لإخفائها بمدى التغير الذي طرأ علي، ومع ذلك لم أكد ألاحظ في فاسيليادس شيئا، وذهبت إليه ذات مساء، فحدجني بإنكار لم أجهل بواعثه، وبادرني وهو يملأ الكأس: لست كعادتك.
فقلت وأنا أخفض جفني: أحلت أمس إلى المعاش!
فلوح بيده قائلا: برافو. - ما معنى التحية يا فاسيليادس؟ - أنك أتممت رحلة موفقة لتبدأ رحلة أخرى. - أي رحلة يا رجل؟ - الحياة تبدأ بعد الستين. - في قهوة أفريقيا؟
अज्ञात पृष्ठ