329

काशिफ अमीन

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

أما الداعي: فلأن حقيقته هو ما لأجله يختار العالم به فعل ما يعلم فيه أو يظن حكمة أو حصول منفعة، فالأول يقال له داعي حكمة، والثاني داعي حاجة وهو لا يصح على الله، وإنما يصح عليه تعالى داعي الحكمة المعلومة له تعالى، فأما المظنونة وداعي الحاجة فخاص بالعبد.

وأما الشرط: فلأن حقيقته ما يتوقف صحة تأثير غيره أو صفة غيره عليه، فالأول كالقدرة والعلم والحياة فأنه يتوقف تأثير غيرها وهو العبد بأفعاله على حصولهما، والثاني كالقدرة والعلم والحياة في توقف حسن التكليف والمجازاة والمدح والذم على حصولها، وقبح ذلك مع عدم حصولها، ولكون قسر العبد على الفعل وخلقه فيه وصرفه عنه ينافي التكليف بالفعل الاختياري المتوقف حسن الإرسال والمجازاة عليه، لزم امتناع الجبر على الفعل وخلقه فيه والصرف عنه ضرورة انتفاء النقيض عند حصول نقيضه، وقد علمنا حصول الحسن في الإرسال والمجازاة للإجماع على ذلك مع ما ذكر من الدلالة العقلية عليه، فلنعلم حصول شرط وجود الحسن وهو كون العبد فاعلا لفعله بالاختيار ويعلم انتفاء المنافي لذلك الشرط وهو الجبر وخلق الفعل والصرف عنه، ومن ثمة ترى الأشاعرة يفرون من القول بالجبر لعلمهم منافاته التكليف ثم يدخلون فيه من الباب الذي يلي ما فروا منه من الجبر فيقولون لم يجبر الله العبد على الفعل كما تقوله الجهمية، فذلك باطل لا يصح، ولكنه تعالى خلق الفعل في العبد والعبد كسبه، فأي فرق بين هذا وبين قول الجهمي إذا قال لهم: نعم إن الله خلق الفعل في العبد ولا نعرف للكسب الذي تدعونه معنى، لأنه أن كان المرجع به إلى إيجاد عين الفعل وذاته من العبد، فأين موضع الخلق الذي من الله تعالى؟ وإن كان المرجع بالخلق إلى إيجاد عين الفعل وذاته من الله تعالى، فأين موضع الكسب من العبد؟ فليس للكسب معنى يعقل سوى أنه تصحيف الكذب في اللفظ ومرادفه في المعنى، وسيأتي مزيد تحقيق إن شاء الله لإبطاله في موضعه.

पृष्ठ 361