328

काशिफ अमीन

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

نعم وإذا عرفت أن الضربين الأخيرين من أفعاله تعالى إنما يتصور وجودهما وحسنهما بعد وجود المكلفين من الملائكة والجن والإنس، بل بعد وقوع التكليف العقلي في الضرب الثاني، ومطلقا في الثالث، علمت أن الجبر على الفعل وخلقه في العبد أو صرفه عنه ينافي التكليف المتوقف وجود هذين الضربين وحسنهما عليه وهو متوقف على كون العبد فاعلا لفعله باختياره، وعلمت أن كون العبد فاعلا لفعله باختياره داع إلى وجودهما وشرط في حسنهما، وإنما قلنا: إنه داع وشرط، ولم نجعله علة ولا مقتضيا ولا سببا لوجودهما وحسنهما، لأن الارتباطات بين الأثر والمؤثر لا تعدو هذه الخمسة، حيث لم تكن من باب الفاعل والمفعول، ولا يصح أن يكون توقف وجودهما وحسنهما على التكليف أو على وجود الفعل من العبد بالاختيار توقف العلة والمعلول والمقتضي والمقتضى، ولأن كلا منهما صفة توجب صفة أخرى لمتصف واحد كالتأليف في الجسم علة لصحة انقسامه وكالجوهرية فيه مقتضية لتحيزه، ولا يصح أن يكون الجميع من توقف المسبب على السبب لأن فاعل السبب فاعل المسبب، فيتناول أن فاعل التكليف فاعل الإرسال والمجازاة وهو الله تعالى، وذلك مسلم ولكنه لا يتناول أن كون العبد فاعلا لفعله سببا فيهما لما علمت أن شرط التسبب اتحاد الفاعل، فلم يبق إلا أن كون العبد فاعلا لفعله داع إلى فعلهما وشرط في حسنهما، أما كونه داع في فعلهما، فلأن فعلهما وجه حكمة متفرع على كون العبد فاعلا لفعله، وأما كونه شرطا في حسنهما، فلأنا نعلم أن لو لا كون العبد فاعلا لفعله باختياره لما حسن الإرسال إليه ومجازاته بحسبه، لعلمنا ضرورة أنهما لا يحسنان فيما هو مخلوق في العبد بلا تناكر كالطول والقصر والألوان والصحة والمرض وسائر ما هو في العبد بفعل الله تعالى كالحياة والقدرة وخلق علوم العقل الضرورية أو عدمها فيه، لأن حقيقة الداعي وحقيقة الشرط قد حصلتا فيه.

पृष्ठ 360