والاستغاثة بهم، كذلك غيره من المصنفين في الزيارة، فإياك أن تغتر بذلك أو تقلدهم في ذلك، فإنه ليس لهم في ذلك مستند صحيح لا من كتاب ولا سنة ولا نقل عن عالم مرضي، بل كما قال الشيخ رحمه الله تعالى عادة جروا عليها فلا يقتدى بهم في ذلك، وإنما يقتدى في الدين بكلام رب العالمين ورسول الله ﷺ وأصحابه ﵃ أجمعين. فهل تجد أحد الصحابة أو التابعين لهم بإحسان أتى رسول الله ﷺ بعد موته واستغاث به أو استشفع به إلى ربه وقال: يا رسول الله اشفع لي إلى ربك واقض ديني أو فرج كربتي أو انصرني أو اغفر لي ذنبي، بل جردوا التوحيد لله تعالى وحموا جانبه، ولهذا كان عبد الله بن عمر ﵄ وغيره من الصحابة إذا سلم على النبي ﷺ يقف فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثم يقف فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، ثم يقف فيقول: السلام عليك يا أبت. وإذا أراد أحدهم الدعاء جعل ظهره إلى جدار القبر واستقبل القبلة إذا أراد أن يدعو حتى لا يدعو عند القبر. وذكر الإمام أحمد وغيره أنه يستقبل القبلة ويجعل القبر عن يساره لئلا يستدبره وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام عليه، ثم يدعو لنفسه. وذكروا أنه إذا حياه وصلى عليه يستقبل وجهه - بأبي هو وأمي ﷺ فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا الله. وذكر أصحاب مالك أنه يدنو من القبر فيسلم على النبي ﷺ، ثم يدعو مستقبل القبلة يوليه ظهره، وقيل لا يوليه ظهره، وإنما اختلفوا لما فيه من استدباره ﷺ، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره فقد زال المحذور بلا خلاف. وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي ﷺ، ولكن يصلي ويسلم. فهذا هو هدي السلف الصالح من الصحابة ﵃ والتابعين لهم بإحسان والأئمة الأربعة، وما أحسن ما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوا من البدع والشرك وغيره، ولهذا كرهت الأئمة استلام القبر وتقبيله، وبنوا بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه. والله أعلم.
1 / 374