عن مواضعه وتمسكوا بمتشابهه وتركوا محكمه، كما يفعله النصارى، وكما فعل هذا الضال: أخذ لفظ الاستغاثة - تنقسم لاستغاثة بالحي وبالميت، والاستغاثة بالحي تكون فيما يقدر عليه وما لا يقدر عليه - فجعل حكم ذلك كله واحدا، ولم يكفه حتى جعل سؤال الشخص من مسمى الاستغاثة أيضا، ولم يكفه ذلك حتى جعل الطالب إنما طلب من الله لا منه، فالمستغيث به مستغيث بالله، ثم جعل الاستغاثة بكل ميت من نبي وصالح جائزة، واحتج على هذه الدعوة العامة الكلية - التي أدخل فيها من الشرك والضلال ما لا يعلمه إلا ذو الجلال - بقضية خاصة جزئية كسؤال الناس للنبي ﷺ في الدنيا والآخرة أن يدعو الله لهم وتوجههم إلى الله بدعائه وشفاعته، ومعلوم أن هذا الذي جاءت به السنة حق لا ريب فيه ولكن لا يلزم من ذلك ثبوت جميع تلك الدعاوي العامة وإبطال نقيضها، إذ الدعوى الكلية لا تثبت بدليل جزئي، لا سيما عند الاختلاف والتباين، وهذا كمن يريد أن يثبت حل جميع أنواع الملاهي لكل أحد والتقرب بها إلى الله بكون جاريتين غنتا عند عائشة ﵂ في بيت النبي ﷺ في يوم عيد مع كون وجهه كان مصروفا إلى الحائط لا إليهما، أو يحتج على استماع كل قول بقوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ ولا يدري أن القول هنا هو القرآن كما في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ الآية وإلا فمسلم لا يسوغ استماع كل قول، ونهى الله ﷿ عن الجلوس مع الخائضين في آياته، وخوضهم نوع من القول، قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ الآية، وقال: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ الآية، وهذا الضال يجوز عنده أن يستغاث بالرسول في كل ما يستغاث بالله على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى في طلب الغوث، وهذا عنده ثابت للصالحين، وهو ثابت عند هذا الضال بعد موته ثبوته في حياته لأنه عند الله في مزيد دائم لا ينقص جاهه، فدخل عليه الخطأ من وجوه: (منها) أنه جعل المتوسل به بعد موته في الدعاء مستغاثا به، وهذا لا يعرف
1 / 366