والاستغاثة به في البيت الذي بني لله ﷿، ففضلوا البيت الذي لدعاء المخلوق، وإذا كان لهذا وقف ولهذا وقف كان وقف الشرك أعظم منه، مضاهاة لمشركي العرب الذين ذكر الله في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ كما يجعلون لله زرعا وماشية ولآلهتهم زرعا وماشية، فإذا أصيب نصيب آلهتهم أخذوا من نصيب الله تعالى فوضعوه فيه وقالوا: الله غني وآلهتنا فقيرة، فيفضلون ما يجعل لغير الله على ما يجعل لله، وهكذا هؤلاء الوقوف والنذور التي تبذل عندهم للمشاهد أعظم مما تبذل عندهم للمساجد ولعمارة المساجد والجهاد في سبيل الله. وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه بكى عنده وخضع ويدعو ويتضرع ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن، فهل هذا إلا من حال المشركين المبتدعين لا الموحدين المخلصين المتبعين لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؟!! ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم سماع الأبيات يحصل له من الحضور والخضوع والبكاء ما لا يحصل له مثله عند سماع آيات الله تعالى، فيخشع عند سماع المبتدعين المشركين، ولا يخشع عند سماع المتقين المخلصين، بل إذا سمعوا آيات الله اشتغلوا وكرهوها واستهزؤوا بها وبمن يقرؤها ما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾، وإذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية، وألسن لاغية، كأنهم صم وعمي، وإذا سمعوا الأبيات حضرت قلوبهم وسكتت ألسنتهم وسكنت حركاتهم حتى لا يشرب العطشان منهم ماء. ومن هؤلاء من إذا كانوا في سماعهم فأذن المؤذن قال نحن في شيء أفضل مما دعانا إليه، ومنهم من يقول كنا في الحضرة فإذا قمنا إلى الصلاة صرنا إلى الباب، وقد سألني بعضهم عمن قال ذلك من الشيوخ الضلال فقلت: كذب، كان في حضرة الشيطان فصار في باب الله، فإن البدع والضلال فيها من حضور الشيطان ما قد فصل في غير هذا الموضع.
1 / 365