जवहर इंसानिया
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
शैलियों
19
ونظرا لكون 2,5 مليون سنة هي أيضا عمر أقدم المصنوعات الحجرية التي صنعها كائن حي، فإن هذا النوع الجديد من الرئيسيات سمي هومو هابيليس (الإنسان البارع أو الماهر). هذا وتحدد تاريخ نوع آخر من الهومو، ربما مشى على نحو منتصب أكثر من الإنسان الماهر (الذي كانت قامته أكثر استقامة من الأوسترالوبيثكوس) وسمي الإنسان المنتصب، إلى ما بعد ذلك بنحو نصف مليون سنة؛ أي منذ 1,8 مليون سنة مضت. عثر على أكثر بقايا مكتملة لهيكل عظمي لفرد من هذا النوع منذ 15 سنة على يد ريتشارد ليكي، ابن عالمي الأنثروبولوجيا لويس وماري ليكي، على الضفة الغربية من بحيرة توركانا في شمالي كينيا، ويرجع تاريخها إلى 1,5 مليون سنة. عند تجميع أجزاء الجمجمة والعديد من قطع العظام الأخرى، أصبح واضحا أن صاحب هذا الهيكل كان صبيا، توفي تقريبا في التاسعة من عمره، وقد أدى صغر سنه ومكان وفاته إلى إطلاق اسم صبي توركانا على هذه العينة من الإنسان المنتصب.
على الأرجح تعايش كل من الأوسترالوبيثكوس وإنسان كينيا والهومو معا في الوادي المتصدع الأفريقي الشرقي، وفي أماكن أخرى لعدة آلاف من السنين . ومن نوعية الأدوات الحجرية التي عثر عليها بجوار بقايا الهياكل العظمية، يبدو أن بعض الأوسترالوبيثكوس كانت لديهم القدرة على الإمساك بأيديهم بأدوات حجرية بدائية. إن الاختلاف الوحيد بين الأوسترالوبيثكوس والهومو أن الأول كان يستخدم فقط ما يجده حوله، بينما كان الثاني يشكل فعليا الحجارة بحجارة أخرى؛ ليستخدمها في قطع أو تقطيع الأغصان واللحم، بالإضافة إلى قتل الفرائس؛ فقد بدأ بذلك بحث الإنسان عن تكنولوجيا جديدة. لكن علينا الاعتراف بأن معظم التفاصيل بشأن أصلنا قائمة على التكهنات إلى حد كبير.
أولا: على القارئ أن يعلم أن الربط بين استخدام الأشياء وبقايا هيكل عظمي معينة عثر عليها بالقرب منها لا يعتمد على أكثر من حقيقة أن كلاهما يوجد في الطبقة نفسها من الأرض أو الصخور تحت سطح الأرض، وكلما زاد عمر العينات، زاد العمق الذي تدفن عليه، كما شرحنا آنفا.
ثانيا: إن نسبة بقايا هيكل عظمي - تتمثل عادة فيما لا يزيد عن بعض العظام وجمجمة إن حالف المرء الحظ - إلى أحد الأجناس، مثل الهومو أو الأوسترالوبيثكوس أو إنسان كينيا، ناهيك عن نسبتها إلى نوع معين مثل الإنسان الماهر أو الإنسان المنتصب؛ ليس علما دقيقا، ويتأثر كثيرا بتحيز المكتشف. حقق المتخصص الكندي في علم التشريح ديفيدسون بلاك، الذي عين أستاذا بقسم الأعصاب والأجنة في كلية اتحاد بكين الطبية المؤسسة حديثا في عام 1919، شهرة واسعة بعد هذا بثماني سنوات؛ من خلال العثور على سن واحدة ادعى بأنها تنتمي إلى أقدم حفرية شبيهة بالبشر في آسيا، وأطلق على صاحبها القديم اسم سينانثروبوس بيكينسيس أو إنسان بكين. ربما كان محقا في افتراضه القدم البالغ، وعثر على دستة من العظام المتحجرة الأخرى منذ ذلك الحين في المنطقة نفسها؛ مما دفع علماء الأنثروبولوجيا إلى نسبة إنسان بكين إلى نوع الإنسان المنتصب، بعمر يصل تقريبا إلى 500 ألف سنة. باءت المحاولات الحديثة من حفيد ديفيدسون بلاك لرؤية عظام إنسان بكين بالفشل. حفظت العظام في البداية في كلية اتحاد بكين الطبية، لكن عند غزو اليابان للصين في عام 1937 تقرر نقلها إلى مكان آخر لحفظها في أمان. يقال إنها نقلت إلى السفارة الأمريكية، وكانت ضمن حمولة من الأشياء التي نقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك ببضع سنوات، عندما اندلعت الحرب بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، ومن الواضح أنها لم تصل إلى وجهتها قط. ثمة رواية أخرى للأحداث تفيد بأنها أخذت إلى اليابان بناء على أوامر الإمبراطور، لكن مساعي حفيد ديفيدسون بلاك لتحديد موقعها هناك فشلت، وربما ما زالت في الصين بعد كل هذا، أو ربما يكون شخص ما تخلص ببساطة من المحتويات المغلفة بعناية في صندوق بني صغير؛ اعتقادا منه بأنها قمامة، وهو التفسير الأسوأ ولكنه الأكثر احتمالا. وهكذا أحاط بعظام أقدم إنسان في الصين الغموض الذي يحيط بلوحة مفقودة رسمها فنان عظيم، أو مخطوطة مفقودة من مكتبة أحد الأديرة القديمة.
إجمالا، منذ نحو 2,5 مليون سنة مضت عاشت معا رئيسيات مختلفة يتراوح شكل تكوين هيكلها العظمي بين الشمبانزي والبشر في عصرنا الحالي. ونتيجة لقدرتها على الإمساك بأيديها الحجارة والمواد الأخرى التي وجدوها حولهم، تعلم بعض من أشباه البشر الأول هؤلاء صنع أدوات بدائية. مر أكثر من مليوني سنة قبل ظهور الإنسان بصورته التي نعرفها الآن. لا يمكن تحديد التواريخ بدقة نظرا للأسباب التي ذكرناها بالفعل. على أي حال لا يسع المرء إلا تأريخ الأشياء التي عثر عليها، وتوجد ندرة في البقايا، ويكون نسبة شيء من صنع الإنسان، أو بقايا مجزأة من حيوان مذبوح، أو رسمة على جدار أحد الكهوف، إلى أحد أنواع الهومو؛ معتمدا إلى حد كبير على التخمين، خاصة أن تطور نوع من نوع آخر يكون عملية تدريجية للغاية، مع استمرار وجود النوعين معا لوقت طويل؛ ومن ثم يوجد جدل كبير بين علماء الحفريات البشرية بشأن هوية اكتشافاتهم، ويتجادلون أيضا، بنفس حدة علماء اللاهوت في العصور الوسطى، بشأن حق كل منهم في التنقيب في منطقة معينة على الإطلاق؛ فكانت المكائد والنهب والقضايا التي تدعي التعرض لاعتقال غير قانوني، والحبس ظلما، والتعدي البغيض ؛ أمورا شائعة بين صائدي الحفريات في الصدع الأفريقي الشرقي، فكل منهم يسعى إلى إفساد مساعي منافسيه بقدر سعيه لاكتشاف عظام أسلافه. (2-4) أنواع الهومو الحديثة
في أغسطس عام 1856، في الوقت نفسه تقريبا الذي كان تشارلز داروين يضع لمساته النهائية على كتاب «أصل الأنواع»،
20
تسلم مدرس في إحدى القرى يدعى الدكتور يوهان كارل فولروت جمجمة وبعض عظام أحد دببة الكهوف؛ فقد عثر العمال الذين يستخرجون الحجارة على طول ضفاف نهر الدوسل في وادي نياندر، الذي يصل إلى نهر الراين بالقرب من مدينة دوسلدورف، على هذه البقايا في أثناء تفجير أحد الكهوف التي تقع على بعد 60 قدما فوق النهر. وعلما منهم بأن هواية الدكتور فولروت كانت التاريخ الطبيعي، فكروا أنه ربما يهتم بالحصول عليها، وكانوا محقين في ذلك. أدرك هذا المدرس على الفور أن هذه العظام لم تكن لدب، وإنما لإنسان بدائي من نوع ما، فكانت الجمجمة تشبه جمجمة الإنسان أكثر من أي شيء عثر عليه من قبل. في الواقع كان الدماغ أكبر من دماغ الإنسان المعاصر، رغم أن الأجزاء الأخرى كانت أثقل وزنا إلى حد ما. عاد الدكتور فولروت مسرعا إلى الكهف وبدأ الحفر فيه من أجل العثور على مزيد من الآثار التي تدل على وجود بشري، لكن في هذا الوقت كانت أجزاء الحجر الجيري والحطام طمست كل آثار الساكن السابق لهذا الكهف الصغير. خمن فولروت أنه في سبيله إلى اكتشاف شيء مهم واستشار هيرمان شافهاوزن، أستاذ التشريح في جامعة بون. وافق شافهاوزن على أن العينات يبدو أنها للقردة العليا (التي تأرخت منذ ذلك الحين ب 40 ألف سنة)، وأعلن الاكتشاف بعد 6 أشهر في اجتماع لجمعية التاريخ الطبيعي والطب لدول أسفل الراين في بون. لم ينتج عن هذا أي اهتمام أو إثارة كالتي كان إصدار داروين على وشك إحداثها، وظل اكتشاف فولروت غير ملحوظ لعدد من السنوات.
لم يحدث الربط بين بقايا الهيكل العظمي التي وصفها فولروت وشافهاوزن وحفريات أخرى عثر عليها في أوروبا إلا في وقت لاحق، ضمت هذه الحفريات جمجمة اكتشفت في محجر فوربس على صخرة جبل طارق في عام 1848. من البداية، تشكك علماء مثل توماس هنري هكسلي في أن هذه الهياكل العظمية تعبر عن «الحلقة المفقودة» المحيرة بين القرد والإنسان، وأكدت اكتشافات تالية في الشرق الأدنى ووسط آسيا وجهة النظر هذه. ومن أجل الإشارة إلى الاكتشاف الألماني، أطلق على أشباه البشر هؤلاء إنسان نياندرتال (وتعني كلمة «تال» وادي بالألمانية)، أو هومو نياندرتالنسيس.
अज्ञात पृष्ठ