जवहर इंसानिया
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
शैलियों
شكر وتقدير
تمهيد
1 - مقدمة
الجزء الأول: التطور: الأساس الجيني للسعي
2 - الوحدة والتنوع في الكائنات الحية
3 - النباتات والجراثيم: أصل الرؤية
4 - الحيوانات والإنسان: تطور الصفات البشرية
الجزء الثاني: الهيمنة: عواقب سعي الإنسان
5 - الخروج من أفريقيا: الاستكشاف والتوسع
6 - السلم: المحن والإنجازات
अज्ञात पृष्ठ
7 - الحضارة 1: المدن والمعابد
8 - الحضارة 2: التواصل والثقافة
9 - التكنولوجيا: الحرب والرخاء
10 - الدين: الإيمان والعقيدة
11 - العلم: التفسير والتجريب
الجزء الثالث: الجدل الدائر: السعي الحالي
12 - التلاعب بالجينات 1: الأطعمة المعدلة جينيا
13 - التلاعب بالجينات 2: البشر المعدلون جينيا
الجزء الرابع: تأمل متبصر: نظرة مستقبلية
14 - انقراض الفضول البشري أم بقاؤه؟
अज्ञात पृष्ठ
الخاتمة
مسرد المصطلحات
المراجع
شكر وتقدير
تمهيد
1 - مقدمة
الجزء الأول: التطور: الأساس الجيني للسعي
2 - الوحدة والتنوع في الكائنات الحية
3 - النباتات والجراثيم: أصل الرؤية
4 - الحيوانات والإنسان: تطور الصفات البشرية
अज्ञात पृष्ठ
الجزء الثاني: الهيمنة: عواقب سعي الإنسان
5 - الخروج من أفريقيا: الاستكشاف والتوسع
6 - السلم: المحن والإنجازات
7 - الحضارة 1: المدن والمعابد
8 - الحضارة 2: التواصل والثقافة
9 - التكنولوجيا: الحرب والرخاء
10 - الدين: الإيمان والعقيدة
11 - العلم: التفسير والتجريب
الجزء الثالث: الجدل الدائر: السعي الحالي
12 - التلاعب بالجينات 1: الأطعمة المعدلة جينيا
अज्ञात पृष्ठ
13 - التلاعب بالجينات 2: البشر المعدلون جينيا
الجزء الرابع: تأمل متبصر: نظرة مستقبلية
14 - انقراض الفضول البشري أم بقاؤه؟
الخاتمة
مسرد المصطلحات
المراجع
جوهر الإنسانية
جوهر الإنسانية
سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
تأليف
अज्ञात पृष्ठ
تشارلز باسترناك
ترجمة
زينب عاطف
مراجعة
محمد فتحي خضر
إلى جوليا (أوليفيا)، وهيلين، ومارجريت، وأودري، ومادلين، وآيريس، اللاتي دعمن رحلة سعيي على مدار نصف قرن.
شكر وتقدير
أنا ممتن أولا وقبل كل شيء لكل من جون إليس وأرني بيترسون وجيمس روجرز لقراءتهم أجزاء كبيرة من الكتاب ولتعليقاتهم البناءة. راجع كثير من الزملاء الآخرين أقساما معينة من الكتاب وقدموا معلومات مفيدة؛ من بين هؤلاء ليزلي عبديلا وليزلي آيللو وروي أندرسون وفنسينت آنج ووالاس آرثر وريتشارد أسر وفرانسواز باربيرا-فريدمان وليندسي باشفورد ودوت بينيت وباروخ بلومبرج ونايجل براون وستيوارت براون وبول سيسليتيرا وبروفيسي كولز وريتشارد دوكينز ونويل ديلي و(السير) ريتشارد دول وجابريل دوفر ودونالد إدموندز ومارك فيشر وميكي جيتوندي وفرانك هاي وأدريان هيل و(السير) جون كريبس وستيوارت نوتون وروبرت كروشنيسكي وديفيد جونز وكريس ليفر وستيفن مالتن وآن مكلارين و(اللورد) روبرت ماي ودنيس ميتشيسون وريتشارد موكسون وستيف نوسي وجوفينداراجان بادمانابان و(الراحل) روي بورتر ومارك ريدلي وإيان روبنسون وجورج رولاند وريتشارد رادجلي وتشارلز شو وكريستوفر سترينجر وكيث طومسون و(السير) آلان والترز ودنيس فون دير فايد وآن وكريستوفر ويدنل وإنديميون ويلكنسون وديفيد وينتربورن ولويس ولبرت. بطبيعة الحال أنا أتحمل المسئولية كاملة عن أي أخطاء في الحقائق أو أي تفسيرات غفلت عنها.
إلى أنثيا مورتون-سانير من وكالة كورتس براون، وكيرك جينسون من مطبعة جامعة أكسفورد في نيويورك، أشكرهما على إقناعي بعدم تأليف كتاب عن العلم في الدول النامية، وتحويل تفكيري إلى اتجاه آخر. ولقد تحمل ديفيد سميث من وكالة أنيت جرين للمؤلفين وسالي سميث من شركة جون وايلي آند صنز المحدودة تحدي هذا الكتاب، وكانا مسئولين عن خروج الكتاب للنور بمساعدة تحرير ليزلي ونشستر الرائع.
أعبر كذلك عن تقديري لصبر رؤساء القسم المتعاقبين في جامعة القديس جورج - أولا مايك كليمنس ثم ليندسي باشفورد - لسماحهم لي في الاستمرار في استخدام مكتبي، الذي كان من فوائده الأخرى الحصول على اهتمام رائع من ستيفانينا بيلك في أثناء عملي على هذا الكتاب. كما حصلت على مساعدة لا تقدر بثمن من فريق عمل المكتبة البريطانية ومكتبة لندن ومكتبات كنسينجتون وتشيلسي ومكتبة كلية الطب في جامعة القديس جورج ومكتبة الكلية الإمبريالية. وينطبق الأمر نفسه على صيانة نيك رامزي لجهاز الكمبيوتر المحمول العتيق الذي أمتلكه.
अज्ञात पृष्ठ
أدين بالكثير لهيلين وبيل رامزي؛ لتوفيرهما جوا من الهدوء في منزلهما الإسباني متى احتجت إلى ذلك.
لندن وألمرية، 2003
تمهيد
ألف تشارلز باسترناك كتابا مثيرا للاهتمام يدور حول السعي المستمر، أحد أكثر السمات المحيرة في البشر، وربما الحيوانات الأخرى. وهو يتناول هذا الموضوع من منظور علم الأحياء الحديث، المبني في جزء كبير منه على المبدأ الذي سار عليه طوال القرن الماضي على الأقل؛ وهو أن الأحياء يمكن تفسيرها من منظور كيميائي، وأن الكيمياء يمكن تفسيرها من منظور فيزيائي. لكن من المعروف أن التفسير التحليلي للعمليات التي تتعرض لها العناصر الكيميائية وحده لن يقدم تفسيرا مرضيا أو عمليا يمكنه أن يؤدي إلى التطبيق أو التدخل، فلا بد أيضا من فهم التفاعلات المعقدة التي تحدث بمرور الوقت بين العمليات المنفصلة بعضها مع بعض، وطريقة التفاعل الكامل للكائن مع الثراء الهائل في بيئته ومع الكائنات الأخرى التي يقابلها، تلك التي تشبهه والتي لا تشبهه. يصف جورج بيريك في روايته المثيرة للاهتمام «الحياة: دليل المستخدم» (التي ترجمها دي بيلوس، كولينز هارفيل، لندن 1988) أحجية الصور المقطعة في شكل يعبر على نحو استعاري مفيد عن أخطار وجود علم اختزالي بالكامل؛ فالدراسة المتعمقة لجزء واحد من الأحجية لا تقدم أي دليل مقارنة بدراسة النمط بأكمله، وفقط عند الانتهاء من تكوين الصورة بأكملها ندرك أهمية إسهام كل جزء فردي فيها.
العلم هو وسيلة أساسية في السعي الإنساني الدائم، والممارسة العملية بطبيعتها تضمن ظهور ألغاز يجب حلها؛ فعملية الإجابة عن الأسئلة تؤدي إلى ظهور بيانات جديدة يمكن طرح أسئلة جديدة عنها؛ فعند وضع فرضية، يجب جمع بيانات جديدة من أجل اختبارها، ثم يمكن استخدام هذه البيانات فيما بعد لتقرير إما دعم الفرضية أو رفضها، إلا أن هذه البيانات الجديدة يكون لها استخدام آخر؛ فهي تمتلك خاصية فطرية - بسبب حداثتها - تتمثل في الحث على طرح أسئلة لم تطرح من قبل قط، وعادة تفوق الأسئلة التي تطرح تلك التي يجاب عنها، ومع زيادة المعرفة يماط اللثام عن عدد متزايد من الأمور المجهولة. كان الشعراء والكتاب الرومانسيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يخشون من أن العلم سيزيل الغموض من العالم؛ بسبب قدرته الشديدة على حل المشكلات. لكن ما كان بهم حاجة إلى الخوف؛ فقد كشف العلم وسيظل يكشف عن المزيد من الألغاز في الكون من حولنا - وهو الموضوع الأساسي لسعي الإنسان - بما يفوق قدرة البشرية على الإجابة عنها من عصرنا حتى نهاية وجودها في هذا الكون. لقد ارتكب فيكتور فرانكنشتاين في رواية ماري شيلي الخالدة خطيئة الغطرسة الخلاقة عندما حاول حل لغز الحياة من خلال خلق الوحش، ونجح جزئيا في محاولته هذه. إلا أن رواية «فرانكنشتاين» كانت قصة خيالية، ونحن ما زلنا لا نعلم كيف بدأت الحياة على الأرض أو في أي مكان آخر في الكون، ولا يرجع هذا إلى تقصير في المحاولات.
تكون السبل العلمية للسعي والاكتشاف عادة معقدة وتحدث بها تغيرات مفاجئة غير متوقعة. إنها تتسم بالسمات نفسها التي تجعل قصص المغامرات الخيالية ممتعة وسهلة القراءة. فكر في الأحداث غير المتوقعة التي حدثت في أثناء رحلة عودة أوديسيوس ورجاله من طروادة، وذلك اليوم الحافل المليء بالمعضلات غير المتوقعة، التي واجهها ليوبولد بلوم في أسفاره حول دبلن في نسخة جيمس جويس من مغامرات أوديسيوس. ورغم الخيال الغني والمبتكر للروائيين، فإن القصص الواقعية للاستكشاف والاكتشاف العلمي عادة ما تكون أغرب وأكثر استعصاء على التوقع من أي قصة خيالية. ويعد البحث الذي أجريته مع زملائي على اكتشاف فيروس التهاب الكبد «ب» مثال على هذه الطبيعة غير المتوقعة للبحث العلمي؛ فقد بدأنا البحث ونحن مهتمون بالتنوع الوراثي وغيره من أشكال التنوع الكيميائي الحيوي في البشر؛ الذي يؤثر على نحو متباين في قابلية الإصابة بالمرض، وخاصة في الاستجابات للعوامل الناقلة للعدوى. وكجزء من استراتيجيتنا البحثية، استخدمنا المصل الخاص بالمرضى الذين خضعوا لعملية نقل دم حتى نرى إذا تكون لديهم رد فعل تجاه بروتينات المصل التي حصلوا عليها في عملية نقل الدم ولم يرثوها أو يكتسبوها. وجدنا بالفعل اختلافات، ولكننا استطعنا أيضا التعرف على فيروس التهاب الكبد «ب» الذي كان موجودا في دم المتبرعين، حتى إن كانوا في هذا الوقت لم تظهر عليهم بعد أعراض المرض. أدى هذا الاكتشاف إلى حماية الإمداد بالدم ضد انتقال فيروس التهاب الكبد «ب»، وابتكار لقاح مضاد لهذا الفيروس وبدء أكبر برامج تطعيم في العالم. كما مكن كذلك من تحديد أن فيروس التهاب الكبد «ب» هو السبب الرئيسي في سرطان الكبد الأولي، وهو نوع من السرطان شائع للغاية خاصة في آسيا والدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى (يعتبر التهاب الكبد الفيروسي «ج» سببا مهما أيضا ). يعتبر لقاح فيروس التهاب الكبد «ب» أول لقاح يقي من السرطان، كما أن برنامج التطعيم العالمي قد بدأ بالفعل من أجل تقليل حالات الإصابة بهذا السرطان المميت. لم يكن من الممكن توقع مثل هذه النتيجة الطيبة في بداية هذه المغامرة العلمية كثيرة التعرجات.
يشير باسترناك إلى أن كثيرا من الحيوانات باحثة، بينما يقول في الوقت نفسه إن البحث هو ما يميز الإنسان عن الشمبانزي والحيوانات الأخرى. ما حل هذا التناقض الواضح؟ يأتي الاختلاف، على حد قوله، من قدرة الجنس البشري على السعي الذي لا ينتهي. يظهر هذا بوضوح في العلم الحديث؛ فوجود أدوات على درجة عالية من الدقة والثقة، مع وجود قياسات بالغة السرعة، يسمح بتراكم فعال لكميات كبيرة من البيانات. وبرنامج علوم الفضاء مثال جيد للغاية على قدرة البشر على زيادة قدرتهم على السعي المستمر؛ فقد شهدت العقود القليلة الماضية إطلاق أقمار صناعية وسفن فضاء ذات استخدامات عديدة لم يكن من الممكن تخيلها من قبل، ومن المزمع إطلاق أنواع أكثر إثارة. كذلك زارت بعثات روبوتية كافة كواكب مجموعتنا الشمسية عدا بلوتو، كما هبط البشر على القمر وأحضرت كيلوجرامات من العينات إلى الأرض من أجل دراستها، كما أرسل العديد من الأقمار الصناعية لتدور حول المريخ، وهبطت أخرى عليه، وأعادت إلينا صورا وقياسات. ومن المقرر إجراء برنامج مكثف للهبوط على المريخ يتمثل الهدف الأساسي منه في تحديد وجود مياه وحياة على هذا الكوكب حاليا أو ما إذا كانت موجودة في الماضي البعيد. هذا وتجري حاليا دراسة إرسال بعثة بشرية إلى المريخ رغم أن البعثة الفعلية تنظر نتائج الأبحاث التي ستجعل هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر آمنة، كما أن الأقمار الصناعية التي تراقب الأرض أمدتنا بفهم مفصل على نحو استثنائي لديناميكا المناخ وأحوال الأرض والبحار. لقد تواجد البشر في المدار القريب من الأرض منذ عدة سنوات على متن محطة الفضاء الروسية/السوفييتية مير، وحاليا على متن محطة الفضاء الدولية. وسيضم مشروع ناسا «الحياة مع نجم» أسطولا صغيرا من الأقمار الصناعية من أجل دراسة الشمس؛ نجمنا، وتحديد تأثيرها على مناخ الأرض ووسائل الاتصال، والأخطار التي قد تمثلها العواصف الشمسية على الأقمار الصناعية وشبكة الطاقة الكهربائية، والبشر في الرحلات الفضائية القريبة والبعيدة. من المذهل التفكير في هذا بوصفه خطوة عظيمة إلى الأمام في رغبة الإنسان في فهم طبيعة مركز الإمداد بالحياة في مجموعتنا الشمسية؛ الشمس التي لا تقهر، التي أعلن الإمبراطور أوريليان في عام 274 أنها رمز الألوهية العالمي.
أطلق ثلاثة من مراصد ناسا الكبرى، هي: تليسكوب هابل الفضائي المذهل (بل سيطلق تليسكوب فضائي أكبر حجما منه؛ هو تليسكوب جيمس ويب الفضائي، في خلال عقد أو أكثر)، ومرصد كومبتون لأشعة جاما، ومرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية. ومن المقرر إطلاق تليسكوب فضائي للأشعة تحت الحمراء في مداره في عام 2003. كل هذه، وغيرها الكثير، من أدوات الملاحظة العلمية التي كانت مستحيلة قبل هذا الوقت، تعتبر أمثلة على قدرات البشر على توسيع نطاق المغامرة. تسمح هذه الأدوات بتدفق هائل للأفكار الجديدة من أجل إجراء مزيد من الدراسة المبنية على مشاهدات غير مسبوقة من قبل. لم تكن هذه المشاهدات ممكنة في أي وقت من قبل بسبب عدم توافر مثل هذه المنصات المرتفعة.
ما الحافز وراء عمليات البحث والسفر الحالمة والمكلفة هذه؟ بالطبع توجد نتائج جانبية تجارية مهمة؛ فبث الرسائل والصور والبيانات عبر الأقمار الصناعية، والملاحة باستخدام نظام تحديد المواقع الجغرافية، ومراقبة المرضى عن بعد في وحدات الرعاية المركزة، تعتبر كلها أمثلة على التطبيقات المهمة لبرنامج الفضاء. ومن المرجح أن تتولى الدول المهتمة بالفضاء قيادة عالم التجارة في هذا القرن والقرون القادمة. ورغم أن المساعي الفضائية عليها أن تركز على الهندسة والمشكلات الفنية حتى يمكن للأجهزة أن تحلق، فإن الهدف هو إثراء الفهم العلمي للطبيعة وإنجاز مشروعات علمية أساسية لم تكن ممكنة من قبل. إلا أن ثمة هدفا رئيسيا لبرنامج الفضاء، وغيره من البرامج المشابهة، يتمثل في إشباع قوة الفضول الدافعة التي تحرك البشر المتسمين بالسعي الذي لا نهاية له، وربما تعمل، كما يقول المؤلف، على تمييزهم عن الكائنات الحية الأخرى التي تتشارك معهم في كوكب الأرض.
باروخ إس بلومبرج (الحاصل على جائزة نوبل)
अज्ञात पृष्ठ
يونيو 2003
الفصل الأول
مقدمة
نحن جميعا فئران تجارب في مختبر الرب؛ فالبشر هم مشروع لم ينته بعد. (تينيسي ويليامز)
1
لقد أماط العلماء اللثام عن الجينوم البشري، وحان الآن وقت تدبر النتائج؛ فما الذي يجعلنا بشرا؟ تجادل الفلاسفة والعلماء طويلا بشأن هذا الأمر، وأومن أن ما يجعلنا بشرا هو ميلنا الفطري تجاه السعي بلا توقف.
إن كلمة سعي بالإنجليزية
quest
مشتقة من الفعل اللاتيني
quaerere
अज्ञात पृष्ठ
بمعنى البحث والتنقيب، ومن هذا الفعل اشتقت كلمة تساؤل
query
وحب الاستطلاع
inquisitiveness
من ناحية، وكلمة غزو
conquest
من ناحية أخرى. تصف هذه الكلمات كلها الصفات التي جعلتنا سادة الحياة على الأرض؛ فنحن نبحث عن آفاق جديدة، وننقب عن تفسيرات للظواهر من حولنا، لكننا نسعى أيضا للسيطرة على الكائنات الأخرى.
إلا أن البحث سمة أساسية في كافة الكائنات الحية؛ فهو جزء أساسي في الحياة تماما مثل النمو والتكاثر؛ فالنباتات تبحث وكذا الجراثيم. وكما نعلم جميعا تميل النباتات إلى النمو في اتجاه الضوء، فتمثل الشمس مصدر الطاقة الوحيد لها، كما تسبح بعض الجراثيم نحو مصدر غذائها؛ لذا لا عجب أن تمارس الحيوانات أيضا، التي لها سلف مشترك مع النباتات والجراثيم، البحث عن الغذاء وعن زوج في الأساس، وعن ماء ومأوى أيضا في حالة الحيوانات غير المائية. ومع تطور الحيوانات أكثر على مدى نصف مليار سنة مضت، تطورت أيضا قدرة الحيوانات على البحث، ووصلت إلى ذروتها لدى الإنسان العاقل؛ فنحن لا يقتصر بحثنا على الطعام والماء والزوج والمأوى، وإنما نبحث أيضا دون وجود سبب واضح على الإطلاق؛ فالفضول وحده، وليس الحاجة، هي التي دفعت الإنسان إلى البحث عن منبع النيل والكشف عن أصل النجوم.
ربما يقول المتحذلقون إنني أستخدم كلمة «بحث» بمعنيين مختلفين؛ فالنباتات والجراثيم تستجيب للضوء والغذاء بطريقة لا إرادية ومبرمجة مسبقا؛ فهي تنجذب فحسب لمصدر الضوء أو مصدر تركز العناصر الغذائية. أما بحث الإنسان فيكون إراديا ومتنوعا؛ فبعضنا يكون لديه فضول بشأن أصل العواصف الرعدية والزلازل، بينما لا يهتم آخرون بأسباب هذه الأشياء تماما مثل عدم اهتمامهم بطريقة عمل السيارة أو جهاز الكمبيوتر، ولكنهم ربما يهتمون بمعرفة سبب ترك أشهر نجمة شعبية في هذا الوقت لصديقها، وما توقعات أبراجهم لهذا الشهر، فيبحثون في وسائل الإعلام وعلى الإنترنت عن إجابات. وأنت نفسك تبحث عن شيء ما - عن تسلية أو معرفة - في هذه اللحظة ذاتها التي تمسك فيها بهذا الكتاب.
رغم هذا، أخبرنا علماء الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية أنه لا يوجد اختلاف أساسي كبير بين الفعل اللاإرادي مثل خفقان القلب، والفعل الإرادي مثل رفع أحد الحاجبين، وبين شعور لا إرادي مثل الخوف، وشعور إرادي مثل اتخاذ قرار قراءة هذا الكتاب؛ فالآليات الأساسية هي نفسها تقريبا. لن أتحدث في هذه المرحلة عن التفاصيل إلا بغرض الإشارة إلى أن الحياة بأكملها، سواء كانت حياة جرثومة أو نبات أو حيوان أو إنسان، تعتمد على التفاعلات الكيميائية بين الوحدات الأساسية للمادة التي تسمى الجزيئات.
अज्ञात पृष्ठ
يتمثل أهم نوعين من الجزيئات في أي كائن حي في: الجينات، التي يعرفها علماء الكيمياء الحيوية أيضا باسم الدي إن إيه، والبروتينات. علاقة الجينات بالبروتينات تماثل تماما علاقة تصميم المهندس المعماري بالبناء الذي سيبنيه؛ فهو يحدد شكله وحجمه. فالجين هو مجموعة من التعليمات الخاصة بتكوين أحد البروتينات؛ فهو يحدد حجمه وشكله. وظيفة البروتينات هي إمداد المادة بالحياة؛ بالحركة والنمو والتكاثر وإدراك بيئتها والقدرة على البحث. فالبروتينات هي أساس الاستجابات الإرادية واللاإرادية لدى الحيوانات المتشابهة. بالإضافة إلى هذا، نعرف أيضا أن بعض الجينات المتعلقة باستجابات النباتات والجراثيم؛ مثل بحثها عن الضوء والغذاء، توجد بالتكوين نفسه لدى الحيوانات والإنسان، بعبارة أخرى: بعض البروتينات التي تمكننا من البحث ترتبط في تكوينها بالبروتينات التي تملكها أشكال للحياة أكثر بساطة وقدما.
إذا كان ثمة استمرار في الوظيفة، وفي الجزيئات الأساسية من البكتيريا القديمة وحتى الأسماك والطيور والثدييات، فما الذي يميز إذن أحد الرئيسيات، الإنسان العاقل، عن كافة الكائنات الأخرى، خاصة عن أقرب أقاربه: «بان تروجلوديت»، النوع الشائع من الشمبانزي، و«بان بانيسكوس»: البونوبو أو ما يعرف بالشمبانزي القزم؟ هل يمكن أن يكون الاختلاف شيئا بسيطا مثل الرغبة المتزايدة في السعي المستمر؟
طوال 150 عاما، منذ عهد داروين، حاول علماء الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) تحديد الصفات التي تميز السلوك الفريد للإنسان، لكنهم فشلوا. فعند البحث عن كل صفة مقترحة لدى الرئيسيات غير البشرية، كان يعثر عليها؛ مثل استخدام الأدوات البسيطة، والقدرة على التفكير، والشعور بالألم والسعادة، والإدراك والوعي للذات، وفهم الفكاهة، وفهم الكلمات واللغة.
2
ربما تكون الصفة مستخدمة بأقل قدر ممكن، ولدى بعض الأنواع تكون مكتسبة من البشر، لكن هذا يجعلنا غير قادرين على تحديد سمة محددة للإنسان. ولم تكن محاولات كتاب معاصرين مثل كينان مالك (2000) في كتابه «الإنسان والوحش والزومبي»، لفعل هذا الأمر - مقنعة، فما كان منهم إلا تجنب الموضوع من خلال إرجاع تفرد الإنسان إلى بعض السمات السلوكية غير الجينية، مثل ظهور «الميمات»، وهو موضوع سنتحدث عنه في الخاتمة.
لذا، في كتاب «ازدهار الشمبانزي الثالث وتدهوره» يصف عالم الأحياء جارد دياموند الإنسان وصفا صادقا أنه مجرد فرد آخر في مجموعة الرئيسيات، ويجب تصنيفه في النوع نفسه مع البونوبو والشمبانزي الشائع، وللاستفزاز يطلق على هذا النوع «هومو» بدلا من «بان». فعل ديزموند موريس الأمر نفسه في كتابه «القرد العاري» قبل ذلك بثلاثين عاما.
3
فعلى ما يبدو لا توجد سمة تميز الإنسان العاقل؛ فالحكمة بالتأكيد ليست سمة مميزة. وإذا لم تكن توجد صفة محددة تفسر الاختلاف الجوهري بين الشمبانزي والإنسان، فلا بد لنا من البحث عن عدد من السمات، التي ليست حكرا على الإنسان، التي نتج عنها بطريقة ما عند اجتماعها سلوكه المعدل، وقدرته المتزايدة على السعي. ماذا يمكن أن تكون هذه الصفات؟
ثمة مئات الصفات التي تميز الإنسان عن الشمبانزي، ربما أكثرها وضوحا للمشاهد العادي وجود شعر أقل على الجسم، واختلاف شكل الوجه، وقصر طول الذراعين، والمشية المنتصبة. أما المتخصص فإن الصفات التي يركز عليها هي التي ترتبط بمجال تخصصه؛ فسيصف اختصاصي علم التشريح بالتفصيل شكل الفك والحوض وكل عظمة أخرى في الجسم، أما اختصاصي التغذية فسيدرس النظام الغذائي من حيث استهلاك البروتين الحيواني في مقابل البروتين النباتي، أما المتخصص في الأنثروبولوجيا فسيركز على الظهور المبكر للقدرة الإنجابية وقصر متوسط العمر المتوقع، في حين سيلاحظ المتخصص في علم الاجتماع سلوك التزاوج من حيث طول فترة الرغبة الجنسية وعدد الأزواج، وسيلاحظ الخبير في الإحصاء الفروق النسبية في الطول بين الذكر والأنثى، وربما يعلق على كبر حجم الثدي لدى أنثى الإنسان، وطول العضو التناسلي لدى الذكور.
4
अज्ञात पृष्ठ
سنركز نحن على أربع صفات فقط صاحبت تطور الإنسان عن الرئيسيات الأخرى. تتمثل الصفة الأولى في حدوث تغير في العمود الفقري جعله يسير منتصبا. يعمل هذا على زيادة رؤيته للأفق ويحرر يديه في الوقت نفسه؛ فتستطيع مسح العرق من فوق جبينك وتقشير موزة وأنت تسير، لكن الشمبانزي يجلس حتى يفعل هذا. أما الصفة الثانية فتتمثل في حدوث تغيير في الطول النسبي للإبهام والأصابع الأخرى وفي العضلات التي تتحكم في حركتها؛ فنحن نستطيع ثني إبهامنا وتحريكها كي نمس بها أطراف أصابعنا الأربع الأخرى على نحو أفضل من الشمبانزي، فتسمح لنا القبضة الدقيقة المحكمة بالشعور بشكل الأشياء والتعامل معها على نحو مميز، فيستطيع بعضنا تعلم العزف على الكمان، أو استئصال الزائدة الدودية، في حين أن أداء الشمبانزي في كلتا هاتين المهمتين يكون غير متقن. أما السمة المميزة الثالثة فتتمثل في الأحبال الصوتية؛ فهي توجد داخل الحنجرة، التي تتنفس من خلالها كافة الرئيسيات، في مكان منخفض لدى البشر، وتوجد داخل صندوق صوت معقد بين قطعتين صغيرتين من الغضاريف، وقد نتج عن هذا قدرتنا على إصدار كم هائل من الأصوات المتنوعة - استمع فقط إلى المدى الصوتي للمغني لوتشيانو بافاروتي وتسجيلات ماريا كالاس - بينما لا يستطيع الشمبانزي إصدار صوت عدا النخير. ورغم هذا فإننا نولد بأحبال صوت بدائية في مكان مرتفع من الحنجرة، تماما مثل القرد، فلا يستطيع الأطفال الرضع إلا البكاء والأنين، رغم أنهم مثل الشمبانزي يستطيعون التنفس والبلع في الوقت نفسه؛ أما البشر البالغون فلا يمكنهم هذا؛ فالانخفاض البسيط في مكان الأحبال الصوتية في السنة الأولى تقريبا من عمر الإنسان هو ما يمده بالقدرة على الكلام. أما الصفة الرابعة فتتمثل في ملايين العصبونات والخلايا العصبية المسئولة عن التفكير والذاكرة، وعن القدرة على التفكير المنطقي. توجد هذه الخلايا في منطقة من الدماغ تسمى القشرة، وفي الواقع هي تؤدي الوظيفة نفسها لدى الشمبانزي والبشر؛ فالاختلاف الوحيد أننا نملك ثلاثة أضعاف العدد الموجود لدى الشمبانزي.
أعتقد أن اجتماع هذه الصفات الأربع هو الذي مكن الإنسان من توسيع نطاق بحثه، جسديا وذهنيا، أكثر من أي حيوان آخر. في تأكيدي على أن ما يميز الإنسان هو مجموعة من الصفات، أعمل بذلك على تطبيق تعريف التفرد الذي وضعه اختصاصي المناعة بيتر مدور على هذا النوع: «يختلف فرد عن غيره ليس بسبب امتلاكه صفة فريدة، وإنما بسبب امتلاكه خليطا فريدا من الصفات.»
5
من ناحية أخرى، تعتمد قدرة الإنسان المضاعفة على البحث كثيرا على استخدامه للغة التي ربما أكون قد استخدمتها للتركيز على صفة الكلام وحدها. في كتابه المذهل «التهيؤ والثرثرة وتطور اللغة» فعل عالم الأنثروبولوجيا هذا بالضبط، فهو يقول إن الثرثرة بين البشر هي امتداد لعملية التنظيف بين القردة، وإن الثرثرة هي التي أدت إلى تطور اللغة؛ ومن ثم إلى سلوك الإنسان المعقد. لكن في حين يسهم الكلام دون شك في قدرة الإنسان المتفوقة على السعي الدائم، فإنه لا يفسر وحده ظهور الحضارات وتطور الثقافة؛ فالثرثرة لم تشيد هرم خوفو الأكبر، ولم تؤد إلى رسم الموناليزا أو اكتشاف النظرية النسبية، وإنما هذا كله نتاج لسعي مستمر لا نهاية له.
ظهرت الفروق التشريحية الأربعة بين الإنسان والشمبانزي التي ركزت عليها؛ المشية المنتصبة، واليد سلسة الحركة، والأحبال الصوتية المتطورة، والكم الهائل من العصبونات في قشرة الدماغ، بالتدريج على مدار 5 ملايين سنة مضت أو ما شابه. حدث ظهورها بالصدفة المحضة، وكان فقط نتيجة لحقيقة أن أصحابها، أنواعا متعاقبة من الرئيسيات، أنجبوا آخرين من النوع نفسه. لا تعبر أي صفة عن تغير مفاجئ وكبير في الشكل، تماما مثلما حدث عند تطور الأسماك إلى حيوانات أرضية، وتطور الزواحف لتصبح طيورا. وتتحدد كل صفة تشريحية من هذه الصفات الأربع بعدد من الجينات. حتى الآن لم تكتشف كافة هذه الجينات، ولكن من المحتمل أنها تنتمي إلى عائلات متشابهة لدى البشر والشمبانزي. وكما سنرى في الفصل الرابع، تشبه الجينات المسئولة عن الصفات البشرية الجينات المحددة لوظائف مشابهة في الرئيسيات الأخرى، فيما يتعلق بموضوع البحث ربما يبدو من غير الضروري افتراض وجود جينات «بشرية» من أجل تفسير الفروق الأساسية بين الإنسان والقرد.
ينطبق هذا الاستنتاج على كافة الوظائف الأخرى لدى البشر والشمبانزي أيضا، ويتوافق بسهولة مع حقيقة أن تكويننا الجيني يشبه تكوين الشمبانزي بنحو 95٪،
6
إلا أن وجود اختلاف بنسبة 5٪ ما زال يعني تفرد الإنسان بأكثر من ألف جين في مقابل تلك التي يشترك فيها مع الشمبانزي، ويواصل معتنقو وجهة النظر هذه البحث عن جينات مميزة للإنسان. لا أعتقد أنهم سيجدونها؛ فتفسيري أنا، الذي يشاركني فيه كثير من علماء الجزيئات، مختلف؛ فنحن نرى أن «التشابه بنسبة 95٪» يشير إلى أن كافة جينات الشمبانزي والبشر متشابهة في المتوسط بنسبة 95٪ ومختلفة بنسبة 5٪، فبعض الجينات، مثل سلسلة ألفا التي تدخل في تكوين الهيموجلوبين، تكون متماثلة، بينما تكون بعض الجينات الأخرى، مثل الخاصة بالأنسولين، متطابقة تقريبا، في حين تكون جينات أخرى مختلفة عن بعضها بنسبة تفوق 5٪، لكن حتى هذه الجينات تنتمي إلى العائلة الجينية نفسها، فتحدد الوظيفة نفسها لدى البشر والشمبانزي. فلا توجد جينات «بشرية» تختلف عن جينات «الشمبانزي» على الإطلاق (شكل
1-1 ).
شكل 1-1: التكوين الجيني للشمبانزي والبشر. انظر النص والهامش رقم 26 في الفصل الثاني من أجل الحصول على مزيد من التفاصيل.
अज्ञात पृष्ठ
إجمالا، يدور هذا الكتاب حول فكرة أن كل الكائنات الحية، بداية من البكتيريا حتى النباتات والحيوانات، تبحث. لدى البشر تكون النزعة إلى السعي ضخمة، في حين تكون قاصرة لدى الرئيسيات الأخرى. وقد دانت للإنسان السيادة على العالم وكل الكائنات فيه، أما الشمبانزي فمعرض الآن لخطر الانقراض.
7 •••
ينقسم هذا الكتاب إلى أربعة أجزاء؛ في الجزء الأول نتحدث عن الأساس الجيني للبحث، وحتى نفعل هذا علينا التفكير في الطبيعة الجزيئية للحياة. يوجد توحد وتنوع؛ فالكائنات كلها مكونة من النوع نفسه من الجزيئات، لكن لا يوجد كائنان حتى من النوع نفسه متماثلان تماما؛ إذ يختلفان في التكوين الدقيق للدي إن إيه والبروتينات التي تتكون جسماهما منها، ونتيجة لهذا تنمو شجيرة أطول من المجاورة لها، وتسبح أميبا أسرع من قرينتها، ويصبح هديل حمامة أعلى من إخوتها، ويصبح إنسان أكثر فضولا من إنسان آخر. كذلك فإن هذه التفاصيل الدقيقة في التكوين الجزيئي تكون هي المسئولة عن ظهور نوع جديد؛ ظهورنا نحن البشر من البكتيريا القديمة، كما سنشرح في الفصل الثاني.
أشرت من قبل إلى بحث النباتات عن ضوء الشمس وبحث الجراثيم عن الطعام؛ نظرا لكون هذه الأجهزة بسيطة نسبيا، أصبح كثير من الجزيئات المسئولة عن عملية البحث لديها معروفا، فاتضح أن كثيرا منها، كالبروتينات وجزيئات أخرى أصغر حجما مثل الفيتامينات، يلعب دورا أيضا في العلميات الفسيولوجية التي تتحكم في البحث لدى كائنات أكثر تعقيدا. وكما سنرى في الفصل الثالث، فإن الرؤية، الأساسية في قدرة الحيوانات على البحث، تعتمد على آلية يرجع أصلها إلى استجابة النباتات وجراثيم معينة للضوء.
مع تحول الكائنات البحرية إلى الحياة على سطح الأرض منذ 400 مليون سنة، اتسع نطاق البحث، وعندما حلت الثدييات محل الزواحف منذ 65 مليون سنة اتسع نطاق البحث مرة أخرى، ومع بدء تطور أسلاف الإنسان الحديث من الرئيسيات الأخرى منذ نحو 5 ملايين سنة، زادت القدرة على البحث بدرجة أكبر، فتظهر بوضوح مميزات الصفات التي تحدثت عنها عند البحث عن الطعام والماء، أو مفترس محتمل، أو بيئة جديدة للاستقرار فيها. تظهر فوائد نجاح البحث جلية في البقاء ونقل جينات الفرد؛ ونعني بهذا مفهوم الجين الأناني.
8
وسنتحدث عن الجزيئات التي اكتشفت مؤخرا وتتعلق بسعي الإنسان في الفصل الرابع.
يتتبع الجزء الثاني من الكتاب سعي الإنسان الحديث؛ الإنسان العاقل. إنه يتحدث في الأساس عن قصة آخر 100 ألف سنة وتحليلها من منظور بحث الإنسان المستمر. كل موضوع أتحدث عنه هو مقياس للفروق السلوكية بين الإنسان والشمبانزي؛ فينبع كل منها من الأسلوب المتفوق للإنسان في ممارسة فعل السعي البدائي، فعقله يطرح الأسئلة ويبتكر تحديات جديدة، فتستجيب يديه؛ إذن ماذا كانت عواقب ذلك؟ أخذ الإنسان بحثه عن بيئات جديدة إلى أبعد من موطنه الأصلي في أفريقيا؛ إلى آسيا وأوروبا ثم إلى جميع أجزاء العالم، وقد قرر بعض أفراد هذا النوع الاستقرار في معظم الأماكن باستثناء الغطاء الجليدي القطبي والصحراء القاحلة والجبال المغطاة بالثلوج، وفي كثير من الحالات لا يزال أحفادهم موجودين فيها حتى يومنا هذا. وسنتحدث بأمثلة توضيحية عن النزعة الاستكشافية لدى البشر، بداية من خروجهم من الوادي المتصدع الكبير في شرق أفريقيا وحتى هبوطهم على القمر، في الفصل الخامس.
منذ عشرات الآلاف من السنين بدأ البشر يشعرون بأمان أكثر عند الابتعاد عن الحيوانات المفترسة، فبدءوا يزرعون محاصيل خاصة بهم ويستأنسون الحيوانات من أجل الحصول على الطعام ولتأدية بعض الأعمال. ومع التخلي عن حياة الترحال في سبيل إنشاء مجتمع مستقر، لم تقنع بعض المجموعات بالبقاء في المكان نفسه، فبحثت عن أماكن جديدة يمكنها الاستقرار فيها، وبدأت في البحث عن أساليب جديدة تقضي بها حياتها اليومية؛ ليس فقط بتحقيق المزيد من الراحة بالحياة في المباني والأماكن المصنوعة من الحجارة، وليس بمجرد جعل الحياة صحية أكثر، باستخدام أنابيب المياه والمصارف، وإنما أيضا من خلال إحاطة أنفسهم بأشياء مبهجة؛ فظهرت الحضارات. وسنتحدث عن ميلاد الحضارات ودور الوراثة في صنع القادة والبشر المثقفين في الفصل السادس.
سنعقد مقارنة بين الإنجازات المرتبطة بهذه الحضارات، التي نشأت في بلاد الرافدين ومصر والصين والهند وجزيرة كريت، وفي وسط أمريكا وجنوبها، والندرة النسبية لمثل هذه الإنجازات في أماكن أخرى في الفصل السابع. أما الفصل الثامن فيدور حول تطور اللغة، الذي سبق الكلام المكتوب، وأساس المعرفة العلمية والفن.
अज्ञात पृष्ठ
عمل الإنسان بيديه منذ تشكيله لأول حجر صوان وإشعاله النار منذ أكثر من مليون سنة مضت، فقد حددت التقنيات المستخدمة في العصر الحجري في الصين ولدى المسلمين طريقة ممارستنا لحياتنا، إلا أن كل تطور يحدث يصحبه ظهور أداة حربية جديدة. وقد خصصنا الفصل التاسع للحديث عن هذه الموضوعات ولتقييم العلاقة بين التكنولوجيا والثراء، ونختتمه بالحديث عن اختراعات رجل واحد؛ وهو ليوناردو دافينشي، فلم يضاه أحد دافينشي قط في الجمع بين المهارة اليدوية والإبداع العقلي.
لا بد أن الإنسان البدائي كان يخاف من العالم الطبيعي من حوله؛ من البرق والرعد، ومن الأعاصير والفيضانات، ومن الانفجارات البركانية والزلازل، وقد بحث عن تفسيرات لها. وكان أفضل تفسير توصل إليه البشر جميعا، سواء في بلاد سومر أو في مصر أو الهند أو الصين أو جزيرة كريت أو وسط أمريكا وجنوبها، هو الدين؛ الإيمان بقوى خارقة للطبيعة تكون هي المسئولة في النهاية عن الأحداث التي لا يستطيع البشر فهمها والتحكم فيها. أثبتت هذه التفسيرات أنها مرضية نظرا لكون الأديان التي ظهرت - الهندوسية والبوذية واليهودية، ثم المسيحية والإسلام - ما زالت تمارس في جميع أنحاء العالم إلى يومنا هذا، من ملايين الرجال والنساء المتعلمين، وفي كافة المهن، في المعابد والأضرحة والمساجد والصلوات، وفي الكنائس والمنازل. لكن مع الإلحاح يعترف قليل من الناس أنهم لم يعودوا ينسبون الظواهر الطبيعية إلى قوى إلهية. فما الذي يبحثون عنه؟ سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل في الفصل العاشر.
بدأ التشكيك في الأصول الإلهية للأحداث المادية على يد الفلاسفة الإغريق؛ بحثا منهم عن تفسيرات بديلة منذ نحو ألفي عام. توقفت بعد ذلك محاولات التفكير العلمي حتى بدأت تظهر تفسيرات لأحداث، مثل تحول النهار إلى ليل والشتاء إلى ربيع، في القرن السادس عشر (رغم أننا ما زلنا نستخدم مصطلحات مثل «غروب الشمس» و«شروق الشمس»). يختلف التفسير العلمي عن غيره من كافة التفسيرات الأخرى في طبيعته العالمية؛ فمفهوم أن الأرض تدور حول الشمس، وليس العكس، هو نفسه في روما كما هو في كراكوف؛ فالعلم - المتمثل في التحقيق في المعتقدات عبر إجراء التجارب التي تؤدي إلى وضع فرضية، أو وضع فرضية ثم إتباعها بإجراء تجارب - واحد أينما يمارس، ويعتبر العلماء مستكشفين أيضا؛ فهم يبحثون عن نجوم تبعد عنا تريليونات السنين الضوئية، وعن جسيمات أصغر بمليارات المرات من جزيء السكر، وعن بقايا حيوانات انقرضت منذ ملايين السنين، وعن سلالات من الفيروسات لم تظهر إلا في عصرنا الحالي. نذكر في الفصل الحادي عشر إسهامات بعض العلماء العباقرة، ونطرح سؤالا بسيطا: هل سنكتشف قريبا كل ما يمكن معرفته، أم أن البحث لا نهاية له؟
يركز الجزء الثالث من هذا الكتاب على النقاش الحالي حول العلم والتكنولوجيا؛ فالمعرفة التي حصلنا عليها في العقدين الماضيين بشأن التلاعب في جينات - جينات النباتات والحيوانات والإنسان أيضا - تؤدي إلى تغيرات هائلة في مجالي الزراعة والطب، فالبحث من أجل إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف، أو البرد أو الآفات، أو محاصيل تنتج غلة أكبر من القمح أو الذرة أو بنجر السكر أو البطاطا؛ يؤدي إلى فوائد اقتصادية واضحة ذات أهمية بالغة لدول العالم المتخلفة. ومع ذلك يوجد نقاش محتدم حول تعديل الطعام جينيا، كما وصل الجدل حول تطبيق الأمر نفسه على البشر إلى حد الغليان؛ هل يجوز السماح باستنساخ البشر؟ وهل يجوز أن نستبدل بالجينات المسببة للمرض جينات صحية؟ وهل علينا تشجيع زرع أعضاء مأخوذة من الحيوانات؟ وهل يجوز السماح للناس بتجميد خلايا جسمهم من أجل الحصول عليها إذا اقتضت الحاجة؟ وهل فوائد العبث مع الطبيعة تفوق مخاطره؟ وهل سعي العلماء غير المقيد يكون مقبولا؟ نحاول عرض وجهة نظر موضوعية عن هذا في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر.
نلقي في الجزء الأخير من الكتاب نظرة على المستقبل، إلى أين سيقود السعي الإنسان خلال السنوات المائة القادمة، وإلى أين في خلال مليون سنة قادمة؟ بالطبع لا يسعنا سوى التكهن. على المدى القصير أتوقع أن تراجع حب الاستطلاع، «تراجع المستوى الفكري» الذي يوجد حاليا في المجتمعات الغربية، سيؤدي إلى تدهورها مقارنة بالثقافات في شرق آسيا. ومع ذلك، بوجه عام سيصبح البشر على القدر نفسه من الغباء والإبداع، ومن الطيبة والقسوة التي هم عليها حاليا؛ فقد أثبتت التجربة أن أحداث الماضي يكون لها تأثير ضئيل على سلوك الإنسان، كما أن التغير الذي يحدث في جيناته على مدار قرن من الزمن يمكن بالكاد إدراكه. فحتى يمكننا دراسة التغير التطوري الذي يتعرض له البشر علينا التفكير في الأمر على مدار ملايين السنين، وليس القرون. على مدار هذا الوقت، هل سيؤدي سعي الإنسان إلى ظهور نوع جديد من البشر، أم ستكون أبحاثه سببا في دماره؛ بحيث ينقرض «الإنسان الباحث عن المعرفة» قبل حدوث هذا؟ نعرض توقعا لما سيحدث في الفصل الرابع عشر. •••
مع نمو فكرة تأليف هذا الكتاب في ذهني، بدأت أفكر في سبب عدم تفكير أي شخص آخر في «السعي» بوصفه صفة مميزة للبشر ومع ذلك أساسية في كافة أشكال الحياة. هل هي فكرة عديمة الأهمية أم أنها بديهية؟ تحدثت مع زملائي المتخصصين في مجال العلوم ومع علماء الأنثروبولوجيا، فاستمعوا إلي في تهذيب وابتسموا واقترحوا علي التحدث مع أشخاص آخرين نظرا لكون هذا خارج مجال تخصصهم. جاء رد فعل آخرين على النحو نفسه. المهم في الأمر أن أحدا لم يستطع إرشادي إلى مقال أو كتاب تناول هذا الأمر بأكمله من قبل، على الأقل كان هذا أمرا مشجعا.
ثم جاء ريتشارد دوكينز لإنقاذي؛ إذ كان يعتقد أن السير أليستر هاردي، أستاذ علم الحيوان في أكسفورد منذ نصف قرن، اقترح أمرا مشابها؛ كان يذكر وجود مقال في مكان ما، لكنه لم يستطع تذكر المرجع بدقة، هل يمكن لآرثر كين، أحد زملاء هاردي السابقين الذي انتقل إلى ليفربول لكنه تقاعد الآن، المساعدة؟ لكن عندما تمكنت من معرفة مكانه كان مع الأسف قد توفي. واصلت بحثي، واعتقد متخصص آخر في علم الحيوان في أكسفورد، مارك ريدلي، أن هذا المقال المحير ربما يوجد في إحدى محاضرات جيفورد التي ألقاها هاردي بعد وقت قصير من تقاعده. وبالفعل نجحت! وكما يظهر في الاقتباس التالي لم تكن فكرتي حمقاء أو بديهية، على العكس، فيبدو أن تأليفي لهذا الكتاب يجيب عن السؤال الذي طرحه هاردي. إليك الكلمات التي أقتبسها عنه:
رغم ذلك، من عملية التطور هذه، من مكان ما، جاء الدافع، أو حب المغامرة، لدى الإنسان الذي قد يدفعه إلى المخاطرة بحياته بتسلق جبل إيفرست، أو الوصول إلى القطب الجنوبي أو إلى القمر. هل - إجمالا - من السذاجة الاعتقاد بأن هذه النزعة الاستكشافية، وهذا الفضول، ترجع أصولهما إلى جزء راسخ في السلوك الحيواني يلعب دورا أساسيا في تدفق الحياة؟
9
حتى أتمكن من كتابة هذا الكتاب اخترت التبحر في موضوعات مثل الدين والأنثروبولوجيا والتاريخ والفن، وهي موضوعات لم أحصل فيها على تدريب رسمي، فأنا مجرد عالم كيمياء حيوية بسيط، إلا أن السعي للتعبير عن أفكاري أمر متأصل في جيناتي؛ ألم يكن جدي فنانا وزوجته موسيقية وخالي كاتبا ووالدتي فيلسوفة؟! وعلى القارئ أن يسامحني عن الأخطاء التي سيجدها فيما يلي؛ فقد كنت أكتب بوصفي عالما، لكني سمحت لأفكاري بأن تتحرك في كافة الاتجاهات.
अज्ञात पृष्ठ
أتخيل الآن في ذهني مجموعة من أسلافنا القدامى يسيرون منتصبين على طول منطقة أولدوفاي جورج في شمال تنزانيا بحثا عن الطعام، وأرشميدس في سرقوسة يفكر في طريقة لقياس الكميات التقريبية للذهب والفضة في تاج الملك هيرون، وكريستوفر كولومبوس وهو يقف في مقدمة السفينة سانتا ماريا يحدق في الأفق الغربي باحثا عن الأرض، وكلود مونيه في حديقته في قرية جيفرني وهو يحاول تصوير ضوء الشمس وهو يسقط على زنابق الماء، وأدولف هتلر وهاينريش هلمر في مستشارية الرايخ يبحثان عن أسرع الطرق لإبادة شعب بأكمله، والأم تيريزا في أحياء كلكتا الفقيرة وهي تحاول الاعتناء بالمحتضرين من الجوع وجعلهم يموتون بكرامة، ومجموعة من العلماء ذوي المعاطف البيضاء في مختبرهم يحاولون إدخال جين مقاوم للبرودة داخل نبتة الطماطم. أعرف أن هؤلاء جميعا ما هم إلا بشر، لكني أعلم أيضا أن هذا كله ما هو إلا تعبير عن صفة أساسية في المادة الحية؛ القدرة على البحث. منذ بداية تأليفي لهذا الكتاب، اكتشف تسلسل الجينوم البشري، وما زال أمامنا وقت طويل حتى تتضح وظيفة كافة البروتينات التي تحددها جيناتنا، والإشارات الداخلية المعقدة التي تنتقل بينها، لكن إذا اعتقدت، مثلي تماما، أن مثل هذه التفاعلات الجزيئية هي أساس سلوكنا المعقد، ورغبتنا القوية في السعي، فإنك ستنضم إلي في رحلة مدتها 3 مليارات ونصف مليار سنة سأحاول استعراضها في أقل من 400 صفحة.
هوامش
الجزء
التطور: الأساس الجيني للسعي
الفصل الثاني
الوحدة والتنوع في الكائنات الحية
(1) الأساس الجزيئي للحياة
تتألف الحياة كلها، وفي الواقع الكون بأكمله، من جزيئات؛ جزيئات الهيدروجين والهيليوم الموجودة في الشمس والنجوم الأخرى، وجزيئات الماء في الأنهار والمحيطات الموجودة على سطح كوكبنا، وجزيئات سيليكات الألومنيوم الموجودة في قشرته الخارجية، وجزيئات النيتروجين والأكسجين الموجودة في غلافه الجوي، وجزيئات الحمض النووي (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه)، والحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه))، والبروتين والكربوهيدرات والدهون الموجودة داخل كل كائن حي يعيش على سطحه. تسمى المجموعة الأخيرة من الجزيئات أحيانا الجزيئات العضوية؛ تمييزا لها عن الجزيئات غير الحية وغير العضوية التي تتكون منها الصخور والرمال والبحار والهواء، ولا تزيد الجراثيم والنباتات والحيوانات عن كونها مجموعة من الجزيئات العضوية مع بعض الأملاح والماء.
تتسم الجزيئات بأنها متناهية الصغر؛ فجزيئات مثل الماء أو الأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون تقل في حجمها بأكثر من مليار مرة عن حجم رأس الدبوس، والكربوهيدرات مثل الجلوكوز، والدهون مثل الكوليسترول أكبر منها بعشر مرات، والبروتينات والكربوهيدرات مثل النشاء أكبر منها بمائة مرة، والدي إن إيه، الذي يعتبر أكبر جزيء في المادة الحية، أكبر منها بمليون مرة (لكن يظل من المستحيل رؤيته إلا باستخدام مجهر إلكتروني).
نظرا لأن الكائنات الحية لا تتكون إلا من الجزيئات، فمن البديهي وجود أعداد كبيرة للغاية منها في أي جرثومة أو نبات أو حيوان؛ نحو ألف مليون مليون مليون مليون (10
अज्ञात पृष्ठ
27 ) جزيء ماء، ومائة ألف مليون مليون مليون (10
23 ) جزيء بروتين، وعشرة آلاف مليون مليون (10
16 ) جزيء دي إن إيه لدى الإنسان البالغ. تكون هذه الجزيئات الأعضاء، مثل الكبد والكلى والمخ؛ والأنسجة، مثل العضلات والدهون والعظام، التي تتكون منها أجسامنا.
تنقسم الأعضاء (وبعض الأنسجة) إلى تكوينات أصغر حجما تسمى الخلايا، يحيط بكل منها غشاء، يتكون بالطبع أيضا من جزيئات، تتألف في الأساس من بروتينات ودهون مع بعض الكربوهيدرات. تتسم خلايا النباتات والحيوانات بأن لها الحجم نفسه (يبلغ قطرها تقريبا واحدا على مائة من المليمتر، فهي صغيرة للغاية بحيث تستحيل رؤيتها بالعين المجردة)، وهذا بصرف النظر عما إذا كانت جزءا من زهرة أقحوان أو من خنفساء، أو من شجرة السيكويا العملاقة أو من فيل، أو من جنين عمره شهر واحد، أو من رجل عمره 20 عاما. والجراثيم كائنات أحادية الخلية، وتكون خلاياها حتى أصغر حجما؛ أقل من واحد على عشرة من حجم خلية النبات أو الحيوان. تستطيع مئات البكتيريا المسببة للعدوى، مثل «المتفطرة الجذامية»، الحياة داخل خلية بشرية واحدة، ومع ذلك فإن الفيروسات أصغر حجما منها؛ فهي تنمو داخل البكتيريا وتستطيع عشرات الآلاف منها الحياة داخل خلية حيوانية واحدة قبل انطلاقها.
يعتمد عدد الخلايا الموجودة في الكائن الحي على حجمه؛ فالإنسان البالغ يحتوي جسمه على مائة مليون مليون (10
14 ) خلية. وتظهر لنا عملية حسابية سريعة أن أي خلية تحتوي على نحو عشرة ملايين مليون (10
13 ) جزيء من الماء، ومائة مليون (10
9 ) جزيء بروتين، ونحو مائة (10
2 ) جزيء دي إن إيه.
هكذا، فإن الجزيئات أصغر وحدة تتكون منها كافة المواد، ويختلف بعضها عن بعض ليس في الحجم فقط، وإنما في التكوين أيضا؛ فالماء، على سبيل المثال، يتكون من ذرتي هيدروجين
अज्ञात पृष्ठ
H
تربطهما ذرة واحدة من الأكسجين
O:H
2
O . أما جزيء الجلوكوز فيتكون من ست ذرات من الكربون
C ، و12 ذرة من الهيدروجين وست ذرات من الأكسجين:
C
6
H
12
अज्ञात पृष्ठ
O
6 (شكل
2-1 ). لا توجد الذرات ككيانات منفصلة (باستثناء حالة درجات الحرارة المرتفعة للغاية)، فالجزيئات والتفاعلات القائمة بينها هي التي تشكل كيمياء الحياة. تكون هذه التفاعلات معقدة لأن بعض الجزيئات تكون معقدة. يظهر هذا جليا في البروتينات والدي إن إيه؛ فعلى عكس جزيئات الماء أو الجلوكوز، التي تكون واحدة أينما وجدت، تختلف جزيئات البروتينات والدي إن إيه من كائن لآخر.
شكل 2-1: تتمثل الجزيئات، التي تكون واحدة لدى كافة الكائنات، في: (أ) الماء، (ب) الجلوكوز، (ج) الحمض الأميني، (د) النيوكليوتيد. يسمى الحمض الأميني الواضح في الشكل الجلوتامات، وتظهر الروابط التي تربطه بالأحماض الأمينية المجاورة داخل البروتين في شكل خطوط متقطعة. أما النيوكليوتيد الموضح في الشكل فيسمى أدينين ديوكسي نيوكليوتيد: تمثل الحلقة العليا التي تحتوي في تكوينها على ذرات النيتروجين
N
جزء الأدينين، أما الحلقة السفلى فتسمى ديوكسي ريبوز، وتسمى مجموعة الذرات الموجودة على يسارها، التي تحتوي على ذرة فسفور، فوسفات. تحتوي كل الديوكسي نيوكليوتيدات (تسمى أحيانا نيوكليوتيدات للاختصار) على ديوكسي ريبوز وفوسفات؛ الحلقة التي تحتوي على النيتروجين هي التي تختلف بين أنواع النيوكليوتيدات الأربعة، التي يشار إليها للتبسيط برموز
A (الموضح في الشكل) و
C
و
G
अज्ञात पृष्ठ
و
T . تظهر الروابط التي تصل نيوكليوتيد الأدينين بالنيوكليوتيدات المجاورة داخل جزيء الدي إن إيه في شكل خطوط متقطعة. كل النيوكليوتيدات سالبة الشحنة (ويظهر هذا من علامة السالب (−) الموجودة بجوار ذرة الأكسجين المتصلة بذرة الفسفور). تكون المجموعة الأمينية
NH
2
أحيانا موجبة الشحنة، وفي أحيان أخرى لا تكون كذلك، وهي تظهر هنا في شكل عديم الشحنة. تكون بعض الأحماض الأمينية موجبة الشحنة، ويكون البعض الآخر منها غير مشحون (محايدا)، في حين يكون بعضها، مثل الجلوتامات في الشكل (ج)، سالب الشحنة. (2) البروتينات والدي إن إيه
تتألف البروتينات من مئات ذرات الهيدروجين والأكسجين والكربون والنيتروجين
N
وبعض الكبريت
S ، ترتبط كلها معا في سلاسل طويلة، تتألف كل منها من سلسلة من وحدات أصغر حجما تسمى الأحماض الأمينية (شكل
2-1 ). تخيل سلسلة حلقية معدنية تحتوي على مئات الحلقات؛ إذا كان البروتين في سلسلة، فإن الأحماض الأمينية تمثل كل حلقة فيها. وتماما كما يمكن ثني السلسلة الحلقية لتكون تكوينات أصغر حجما، عن طريق وضعها في دلو مثلا، يمكن ثني البروتين أيضا على النحو نفسه في شكل ملفوف يتمثل في الخلايا (شكل
अज्ञात पृष्ठ
2-2 ). لا تكون الأحماض الأمينية التي يتكون منها البروتين متشابهة؛ فيوجد 20 نوعا مختلفا من الأحماض الأمينية، ويستطيع أي منها الارتباط بالآخر. يتفاوت طول السلسلة أيضا؛ فبعض البروتينات تتكون من سلاسل قصيرة نسبيا، بينما تتكون بروتينات أخرى من سلاسل أطول. يعتبر الأنسولين مثالا على النوع الأول، والهيموجلوبين مثالا على النوع الثاني؛ لذلك عندما يوصف جزيء بأنه بروتين، فإن هذا يحدد تكوينه؛ فيتكون من كثير من الأحماض الأمينية المرتبطة معا في سلسلة . يختلف التكوين الدقيق من بروتين لآخر،
1
ولأن تكوين الجزيء يحدد وظيفته، فإن البروتينات يمكنها أداء أنشطة متنوعة للغاية؛ فالبروتينات في الواقع هي وسطاء الطبيعة.
شكل 2-2: جزيئات مختلفة اختلافا يسيرا لدى الكائنات كافة. يظهر الشكل نوعين من البروتينات: (أ) الأنسولين البشري. و(ب) الهيموجلوبين البشري. تعبر الخطوط عن الروابط بين الذرات كما في شكل
2-1 ، بدرجة تكبير أقل (الذرات الفعلية حذفت). هذه الأشكال نماذج ثلاثية الأبعاد قائمة على تصوير البلورات بالأشعة السينية. يبدو الهيموجلوبين متناسقا لأنه يتكون فعليا من أربع سلاسل منفصلة من الأحماض الأمينية؛ سلسلتي ألفا وسلسلتي بيتا. أعيدت طباعة هاتين الصورتين من قاعدة بيانات سويس بروت (الأنسولين:
http://ca.expasy.org/cgi-bin/niceprot.pl?1308 ) و(الهيموجلوبين:
http://ca.expasy.org/contact.html ) من بنك بيانات البروتين. انظر إتش إم بيرمان وآخرين، «بنك بيانات البروتين»، مجلة نيوكليك أسيدس ريسيرش العدد 28: 235-242، 2000.
يحتوي جسم الإنسان على أكثر من 100 ألف نوع مختلف من البروتينات، كل منها له وظيفته المحددة؛ فيساعد الأنسولين على امتصاص السكر من مجرى الدم في العضلات والكبد، ويحمل الهيموجلوبين الأكسجين عبر مجرى الدم، ويشكل الأكتين والميوسين الشعيرات القابضة والباسطة للعضلة، وتحفز بروتينات أخرى عملية التمثيل الغذائي؛ فتساعد في تفكيك الطعام الذي نتناوله؛ ومن ثم تمكننا من استخدام الطاقة الناتجة في ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وفي الركض والقفز والقتال، في حين تكون بروتينات أخرى مسئولة عن جعل أعيننا زرقاء أو داكنة، وشعرنا أشقر أو أسود، مجعدا أو أملس، وقامتنا كبيرة أو صغيرة، وأفكارنا حزينة أو سعيدة، وقدرتنا العقلية يقظة أو بطيئة الاستيعاب؛ فكل صفة لدينا تحددها البروتينات. كيف تنتقل إذن هذه الصفات من جيل لآخر، كما يحدث بوضوح لكثير منها؟ لا تكون البروتينات نفسها المسئولة عن هذا، وإنما الجزيء الذي يمثل مخططا تمهيديا لكل بروتين في أجسامنا، ذلك الجزيء الذي يسمى الدي إن إيه.
يتكون الدي إن إيه من ذرات الهيدروجين والأكسجين والكربون والنيتروجين والفوسفور
، والتي ترتبط معا في سلسلة أطول من البروتينات. مرة أخرى، تتكون هذه السلسلة من وحدات أصغر، تسمى في هذه الحالة النيوكليوتيدات (شكل
अज्ञात पृष्ठ
2-1 )، ويتكون الحمض النووي من أربعة أنواع فقط من النيوكليوتيدات: نيوكليوتيد الأدينين (يسمى
A
اختصارا)، ونيوكليوتيد السيتوسين
C ، ونيوكليوتيد الجوانين
G ، ونيوكليوتيد الثيامين
T . إن مدى ما تصل إليه سلسلة الدي إن إيه مذهل للغاية؛ فقد يصل طول جزيء الدي إن إيه البشري، عند بسطه، إلى نحو المترين، ومع ذلك فهو موجود داخل خلية يبلغ اتساعها 10 ميكرومترات. ونظرا لكون الميكرومتر يساوي واحدا على مليون من المتر، فإن هذا يعني تصغيرا للحجم بنحو 500 ألف ضعف. وحتى يتحقق هذا يلتف الدي إن إيه داخل الخلية حول نفسه مرارا وتكرارا عدة مرات، ليس هذا فحسب وإنما في أثناء انقسام الخلية يخزن الدي إن إيه داخل الكروموسومات، الأصغر حجما؛ مقارنة بوضعه المضغوط للغاية داخل الكروموسومات، بينما «يفك» الدي إن إيه نسبيا في أثناء الطور البيني (الفترة بين الانقسامات المتعاقبة للخلية). يمثل كل جزيء من الدي إن إيه في الواقع دائرة مغلقة، تماما مثل العقد المكون من خرزات صغيرة.
حتى نوضح الطول الهائل للدي إن إيه، تخيل أن يكون العقد أرفع من شعر الإنسان بمائة مرة (سلسلة الدي إن إيه أرفع من هذا في الحقيقة)؛ لكنه يعادل في الطول مضمار سباق دائريا يبلغ طوله ميلا. يكون الكروموسوم في حجم رأس الدبوس، وكل خرزة في العقد - النيوكليوتيدات المنفصلة - حجمها واحد على ألف من حجم رأس الدبوس. توجد أربعة ألوان فقط لهذا الخرز؛ الكهرماني للأدينين
A ، والكريمي للسيتوسين
C ، والأخضر للجوانين
G ، والفيروزي للثيامين
अज्ञात पृष्ठ