انتهى قال ع والصابى في اللغة من خرج من دين إلى دين وأما المشار إليهم في قوله تعالى والصابين فقال السدي هم فرقة من أهل الكتاب وقال مجاهد هم قوم لا دين لهم وقال ابن جريج هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية وقال ابن زيد هم قوم يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب كانوا بجزيرة الموصل وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون الخمس إلى القبلة ويقرءون الزبور رءاهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حتى عرف أنهم يعبدون الملائكة وقوله تعالى ورفعنا فوقكم الطور الآية الطور اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه السلام عليه قاله ابن عباس وقال مجاهد وغيره الطور اسم لكل جبل وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله تعالى بالألواح فيها التوراة قال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا فقال لهم خذوها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلة واخرج الله تعالى البحر من ورائهم وأضرم نارا من بين أيديهم فأحاط بهم غضبه وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ولا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل وأغرقكم البحر وأحرقتكم النار فسجدوا توبة لله سبحانه واخذوا التوراة بالميثاق قال الطبري عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق وكانت سجدتهم على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا فلما رحمهم الله سبحانه قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها فأمروا سجودهم على شق واحد قال ع والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم ءامنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة قال وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية وقصدت أصحه الذي تقتضيه الفاظ الآية وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين وبقوة قال ابن عباس معناه بجد واجتهاد وقال ابن زيد معناه بتصديق وتحقيق واذكروا ما فيه أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ولا تنسوه ولا تضيعوه وقوله تعالى ثم توليتم الآية تولى أصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا وتوليهم من بعد ذلك إما بالمعاصي فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها وإما أن يكون توليهم بالكفر فلم يعاجلهم سبحانه بالهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن وقوله تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت الآية علمتم معناه عرفتم والسبت مأخوذ من السبوت الذي هو الراحة والدعة وإما من السبت وهو القطع لأن الأشياء فيه سبتت وتمت خلقتها وقصة اعتدائهم فيه أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة وعرفه فضله كما أمر به سائر الأنبياء صلوات الله عليهم فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل عن الله سبحانه وأمرهم بالتشرع فيه فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك وامتحنهم بأن أمرهم بترك العمل فيه وحرم عليهم صيد الحيتان وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية قاله الحسن بن أبي الحسن وقيل حتى تخرج خراطيمها من الماء وذلك إما بإلهام من الله تعالى أو بأمر لا يعلل وإما بأن الهمها معنى الأمنة التي في اليوم مع تكراره كما فهم حمام مكة الامنة وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان فلم تظهر إلى السبت الآخر فبقوا على ذلك زمانا حتى اشتهوا الحوت فعمد رجل يوم السبت فربط حوتا بخزمة وضرب له وتدا بالساحل فلما ذهب السبت جاء فأخذه فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع وقيل بل حفر رجل في غير السبت حفيرا يخرج إليه البحر فإذا كان يوم السبت خرج الحوت وحصل في الحفير فإذا جزر البحر ذهب الماء من طريق الحفير وبقي الحوت فجاء بعد السبت فأخذه ففعل قوم مثل فعله وكثر ذلك حتى صادوه يوم السبت علانية وباعوه في الأسواق فكان هذا من أعظم الاعتداء وكانت من بني إسرائيل فرقة نهت عن ذلك فنجت من العقوبة وكانت منهم فرقة لم تعص ولم تنه فقيل نجت مع الناهين وقيل هلكت مع العاصين وكونوا لفظة أمر وهو أمر التكوين كقوله تعالى لكل شيء كن فيكون قال ابن الحاجب في مختصره الكبير المسمى بمنتهى الوصول صيغة افعل وما في معناها قد صح إطلاقها بإزاء خمسة عشر محملا الوجوب أقم الصلاة والندب فكاتبوهم والإرشاد وأشهدوا إذا تبايعتم والإباحة فاصطادوا والتأديب كل مما يليك والامتنان كلوا مما رزقكم الله والإكرام ادخلوها بسلام والتهديد اعملوا ما شئتم والإنذار تمتعوا والتسخير كونوا قردة والإهانة كونوا حجارة والتسوية فاصبروا أو لا تصبروا والدعاء اغفر لنا والتمني ألا انجلى وكمال القدرة كن فيكون انتهى وزاد غيره كونها للتعجيز اعني صيغة أفعل قال ابن الحاجب وقد اتفق على أنها مجاز فيما عدا الوجوب والندب والإباحة والتهديد ثم الجمهور على أنها حقيقة في الوجوب انتهى وخاسئين معناه مبعدين أذلاء صاغرين كما قال للكلب وللمطرود اخسأ وروي في قصصهم أن الله تعالى مسخ العاصين قردة في الليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم فلم يروا أحدا من الهالكين فقالوا أن للناس لشانا ففتحوا عليهم الأبواب لما كانت مغلقة بالليل فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة وقيل أن الناجين كانوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار تبريا منهم فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين فتسوروا عليهم الجدار فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت أن المسوخ لا تنسل ولا تأكل ولا تشرب ولا تعيش أكثر من ثلاثة أيام ووقع في كتاب مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أن أمة من الأمم فقدت وأراها الفار وظاهر هذا أن المسوخ تنسل فإن كان أراد هذا فهو ظن منه صلى الله عليه وسلم في أمر لا مدخل له في التبليغ ثم أوحي إليه بعد ذلك أن المسوخ لا تنسل ونظير ما قلناه نزوله صلى الله عليه وسلم على مياه بدر وأمره باطراح تذكير النخل وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتكم عن الله تعالى فهو كما أخبرتكم وإذا أخبرتكم برأي في أمور الدنيا فإنما أنا بشر مثلكم والضمير في جعلناها يحتمل عوده على المسخة والعقوبة ويحتمل على الأمة التي مسخت ويحتمل على القردة ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها والنكال الزجر بالعقاب ولما بين يديها قال السدي ما بين يدي المسخة ما قبلها من ذنوب القوم وما خلفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب وقال غيره ما بين يديها من حضرها من الناجين وما خلفها أي لمن يجيء بعدها وقال ابن عباس لما بين يديها وما خلفها من القرى وموعظة من الاتعاظ والازدجار وللمتقين معناه الذين نهوا ونجوا وقالت فرقة معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم واللفظ يعم كل متق من كل أمة وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم الآية المراد تذكيرهم بنقض سلفهم للميثاق وسبب هذه القصة على ما روي أن رجلا من بني إسرائيل أسن وكان له مال فاستبطأ ابن أخيه موته وقيل أخوه وقيل ابنا عمه وقيل ورثة غير معينين فقتله ليرثه وألقاه في سبط آخر غير سبطه ليأخذ ديته ويلطخهم بدمه وقيل كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين فألقاه إلى باب إحدى القريتين وهي التي لم يقتل فيها ثم جعل يطلبه هو وسبطه حتى وجده قتيلا فتعلق بالسبط أو بسكان المدينة التي وجد القتيل عندها فأنكروا قتله فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء حتى دخلوا في السلاح فقال أهل النهي منهم أنقتتل ورسول الله معنا فذهبوا إلى موسى عليه السلام فقصوا عليه القصة وسألوه البيان فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فيضرب القتيل ببعضها فيحي ويخبر بقاتله فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فكان جوابهم أن قالوا أتتخذنا هزوا وهذا القول منهم ظاهره فساد اعتقاد ممن قاله ولا يصح إيمان من يقول لنبي قد ظهرت معجزته وقال إن الله يأمر بكذا أتتخذنا هزوا ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء وقول موسى عليه السلام أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين يحتمل معنيين أحدهما الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا والآخر من الجهل كما جهلوا في قولهم وقوله تعالى قالوا ادع لنا ربك الآية هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ولو امتثلوا الأمر فاستعرضوا بقرة فذبحوها لقضوا ما أمروا به ولكن شددوا فشدد الله عليهم قاله ابن عباس وغيره والفارض المسنة الهرمة والبكر من البقر التي لم تلد من الصغر ورفعت عوان على خبر ابتداء مضمر تقديره هي عوان والعوان التي قد ولدت مرة بعد مرة قال م قال الجوهري والعوان النصف في سنها من كل شيء والجمع عون انتهى ت قال الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي في نظمه لغريب القرآن جمع أبي حيان ... معنى عوان نصف بين الصغر ... وبين ما قد بلغت سن الكبر ...
पृष्ठ 77