" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. فليفعل كذا "
أو
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يفعل كذا "
وفي ذلك ما يكفي برهانا أن الإيمان باليوم الآخر كالإيمان بالله في عمق أثرهما في سلوك الإنسان وقوة تأثيرهما في توجيه ميوله ورغباته وضبط غرائزه ونزعاته، وهذا لأن الإيمان بالله يعني الإيمان بالمبدأ والإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بالمصير وهل تبقى للإنسان قيمة إن جهل المبدأ أو المصير، وماذا عسى أن تكون حالة هذا الإنسان الذي يعيش على هامش الحياة لا يستشعر حقوقا عليه لمبدئه، ولا مسئولية يخشى مغبتها في مصيره وإنما يلهو ويمرح ويأكل ويشرب ويسافد ويتناسل شأن البهائم التي لا عقل لها ولا ضمير أما إذا أدرك واستيقن أن له مبدئا أخرجه من العدم واسبغ عليه صنوف النعم وبوأه في الأرض ومكن له فيها فإن إدراكه لذلك يحيي في نفسه شعورا لافتقاره إلى تحري مرضاة هذا المبديء الكريم والخالق العظيم فيدعوه ذلك إلى أن يستمد منه منهج حياته وميزانه الذي يعرف به الخير والشر والنفع والضر ولكنه مع ذلك قد يتعامى عن قصد السبيل لما يتجاذبه من طبائع النفس ويتقاضاه من مطالب الحياة فهو واقع بين العواطف الملتهبة والغرائز الجارفة والمطالب المختلفة والدوافع المتنوعة فلا عجب إذا أنساه ذلك ما يجب عليه تجاه خالقه وتجاه الخلق، ولكن إيمانه بالمنقلب الذي يلقى فيه جزاءه يجعله يستعلى على ضرورات حياته ورغبات نفسه ودوافع غرائزه فلا يجعل العواطف أساسا لتعامله مع الناس ولا الغرائز مقياسا للنفع والضر والخير والشر، وحياة الإنسان في الأرض حياة محدودة بل حياة وهمية إذ لا يعرف أحد مقدار بقائه فيها فهو ينتظر فراقها بين لحظة وأخرى، فإذا لم يؤمن بحياة أطول يجازى فيها على عمله كان ذلك داعيا إلى التقاعس عن الخير واستغلال ما يمكن من المنافع العاجلة ولو على حساب الآخرين وما الذي يدعوا الإنسان إلى التفاني في البر وهو غير واثق من إستيفاء جزائه في هذه الحياة الدنيا ولا راج حياة أخرى يطمع فيها أن يلقى أجر ما كسب، وعدم الإيمان بالمعاد مدعاة للقلق بسبب عدم وثوق الإنسان من التعمير في هذه الدنيا، وهبه معمرا فيها فإنه لا بد له من يوم يواجه فيه الموت الكريه، فهو يحسب حسابه بإستمرار ليوم فنائه الذي يفرق ما جمع، ويأتي على ما كسب، وما الليل والنهار إلا مطيته الدؤب التي تسير به إلى ذلك اليوم وهذا يدعوه - مع عدم إعتقاد المعاد - إلى التكاسل عن واجباته الإجتماعية، أما إذا وثق بأنه سيعاد كما كان مرة أخرى وسيوفى جزاء عمله فإن وثوقه بذلك سبب لطمأنينة نفسه ونشاطها في العمل.
والمشركون الذين كان القرآن يواجههم كانوا يؤمنون إيمانا جزئيا بالله الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول عنهم:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله
[لقمان: 25] ولكنهم فاقدون الإيمان بيوم البعث وهذا جعلهم يعيشون بلا هدف ويحيون للشهوات الدنيئة، فقد حكى الله تعالى عنهم قولهم:
أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد
[ق: 3] وقولهم
أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آبآؤنا الأولون
अज्ञात पृष्ठ