وكذلك قولك في الكلمة: (إذا تركيب من عدة حروف متقاربة المخارج)، ألا ترى أن مخارج الحروف جميعها، إذا اعتبر كل واحد منها على الانفراد، لا يوجد له حسن ولا قبح؟ وهذا لا نزاع فيه. فمن توهم شكًا في ذلك أو لحقه أدني ارتياب، فليعرضه ويعتبره، منصفًا من نفسه، فإنه يعلم صحة ما ذكرناه، ويعرف حقيقة ما أشرنا إليه.
وإذا كانت الحال كذلك، فمن أي وجه تكسب اللفظة الجودة والحسن إذا تركبت من حروف متباعدة المخارج؟ ومنأى وجه تكسب الرداءة والقبح، إذا تركبت من حروف متقاربة المخارج؟
الجواب عن ذلك، أنا نقول: إنها اكتسبت حسنًا عند تركيبها من حروف متباعدة المخارج، واكتسبت قبحًا عند تركيبها من حروف متقاربة المخارج؛ لأن النطق إذا أتى على مخارج حروف اللفظة، وهي متباعدة، ليجمعها ويؤلفها، كان له في ذلك مهلة وأناة؛ لأن بين المخرج إلى المخرج فسحة وبعدًا، فتجيء الحروف عند ذلك متمكنة في مواضعها؛ غير قلقة ولا مكدودة. وإذا أتى النطق على مخارج حروف اللفظة وهي متقاربة، ليجمعها ويركبها، لم يخلص من مخرج إلا وقد وقع في المخرج الذي يليه؛ لقرب ما بينها فيكاد عند ذلك يعتبر أحدهما بالآخر، فتجيء مخارج حروف اللفظة قلقة مكدودة، غير مستقرة في أما كنها ولهذا لم ترد العين مع الحاء، ولا الغين مع الخاء، ولا الطاء مع التاء، ولا القاف مع الكاف، ولا
الذال مع الثاء، ولا مع الظاء؛ وذلك لقرب مخارج هذه الحروف بعضها من بعض.
ومن أدل الدليل على أن المخارج المتباعدة أحسن تأليفًا من المخارج المتقاربة، أن العرب من
1 / 40