والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إدرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم) (¬1) ولا شبهة أولى من حد أقيم (¬2) على تأويل. فإن قال قائل: لم لا يقيم الحد كل إنسان قدر عليه مطيعا كان أو عاصيا؛ لأن الأمر به عام لقول الله تعالى: { ?الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } (¬3) ، وقوله جل اسمه: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } (¬4) ، والأمر به عام كما قال: ?وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (¬5) ، وقوله: { ?ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (¬6) ، فهذا كله لأمر به على العموم، والمطيع منهم كالعاصي، بحضور الإمام وغير الإمام في ذلك سواء، وكقوله عز وجل: ? { وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا قأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله } (¬7) فهذا كله عام قيل له: الأمر بإقامة الحد ليس بعام، الدليل على ذلك إجماع الأمة أن الشاهد لا يقوم بالحد إذا قدر عليه، فإجماعهم على بعض خروج المخاطبين دليل على أنه مخصوص. فإن قال: فما أنكرتكم أن يكون الرفعان إلى الجبار غير جائز؟ قيل له: لسنا نجيز الرفعان إليه إلا فيما يكون الحق فيه واحدا: فان قال:ولم لا يجيز (¬8) الرفعان إليه في جميع الحقوق التي ليست بحدود؟ قيل له: إنما لم يجز (¬9) ذلك لأن (¬10) لا يحكم على المسلمين برأيه؛ لأنه ليس من أهل الرأي وأن (¬11) طاعته غير واجبة على المسلمين، وإن (¬12) كان ذلك كذلك فلأحد الخصمين أن يأخذ يغير رأي هذا الحاكم ممن يكون له الرأي فيمتنع من قبول حكمه عليه.
¬__________
(¬1) رواه الجماعة.
(¬2) في (ب) و (ج) قد أقيم.
(¬3) النور: 2.
(¬4) النور: 4.
(¬5) البقرة: 83.
(¬6) آل عمران: 97.
(¬7) الحجرات: 9.
(¬8) في (ب) و (ج) تجيزوا.
(¬9) في (ج) نجز.
(¬10) في (ب) و (ح) لئلا.
(¬11) في (ج) ولأن.
(¬12) في (ج) وإذا.
पृष्ठ 121