والاجتماعية لحركة الأفكار وتحليل مساقات نشأتها وتطورها وانتشارها وحلها وترحالها عبر الأشخاص والأجيال.
عندما كنتُ في الفصل الرابع أو الخامس من الدراسة الابتدائية (على ما أذكر، وكان ذلك في منتصف الستينيات من القرن العشرين)، كان والدي حفظه الله - البالغ الآن السابعة والتسعين من عمره - (١) عندما أعود من المدرسة، ويكون هو قد فرغ من عمله، يجلس ويُجْلِسني أمامه لأقرأ له إما من القرآن الكريم (وغالبًا ما كان ذلك من جزء عم) أو من كتاب لا أذكر الآن عنوانه، ولكنه كان كتابًا يحكي قصّة أصحاب الكهف وما جرى لهم مع الإمبراطور الروماني دقيوس أو دوقيانوس، وكان ذلك الكتاب مطبوعًا على ورق أصفر مثل غيره من الكتب ذات المضمون الديني التي كان الكثيرُ منها مما يعتمد عليه المتعلمون في الكتاتيب القرآنية أو حتى في جامع الزيتونة وفروعه عندما كان هو المؤسسة التعليمية الأولى في البلاد. وفي تلك الجلسات المتكررة - التي كنتُ أتضايق منها لِمَا كانت تحبسني عن اللعب ومطاردة أو صيد بعض أنواع الطيور أو اليرابيع التي توشك الآن أن تنقرض بسبب ما حصل من تحول في البيئة الطبيعية والبشرية في الريف الذي كنا نعيش فيه - طنَّ على سمعي اسمَا كلٍّ من محمد الطاهر ابن عاشور وجده لأمه محمد العزيز بوعَتُّور، إذ كان والدي كثيرًا ما يردد هذين الاسمين، ولم أكن عندها أدري مَن هما هذان الشخصان ولا أدرك نوع العلاقة التي بينهما.
ومن الأمور العجيبة أو الغريبة التي لا أزال أذكرها جيدًا أن والدي ذكر في بعض تلك الجلسات أنه سماني "محمد الطاهر" تيمنًا بالشيخ ابن عاشور! لا أستطيع
_________
(١) عندما انتهيت من تحرير هذا التقديم كان والدي ما يزال حيًّا يعاني من بعض التوعك من حين لآخر، وقد توفي فجر يوم السبت بتاريخ ١٥ مارس ٢٠١٤ على الساعة الرابعة والنصف صباحًا بتوقيت تونس، وأنا بمطار الدوحة أنتظر موعد الطائرة التي تقلني منها في الجزء الثاني من رحلة طويلة بين ماليزيا وتونس. فرحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجازاه بأحسن ما يجازي به والدًا عن ولده، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
1 / 13