وتعشق أبو القماقم السقا قينة فبعث إليها: حضر عندي إخوان فابعثي إلي بجام لوزينج آكله على ذكرك. فبعثت إليه به. فلما كان من الغد بعث إليها: أرسل لي بطبق مازاورد آكله على ذكرك. فقالت: جعلت فداك، ذكروا أن منبع الحب من القلب، فإذا تناهى بلغ إلى الكبد، وأنا أرى حبك لا يتجاوز معدتك. فقال: إنما فعلت هذا لأقوى على محبتك، ألم تسمعي قول الشاعر:
إذا كان في قلبي طعامٌ ذكرتها ... وإن جعت لم تخطر ببالي ولا فكري
وإن كان هذا العام قد قلّ بقله ... فقبح من يهواك يا ربّة الخدر
ويزداد حبّي إن شبعت تجدّدًا ... وإن جعت يومًا لم تكوني على ذكري
ومن مليح ما في هذا الباب أن أبا مسعود الأعمى كان جالسًا في صحن داره، فأشرفت عليه جارية ظريفة، فعضت تفاحة ورمت بها في حجره. فتناولها وقال:
أيا تفاحة رمّت ... فؤادي للهوى رمّا
لقد أهداك إنسان ... وأهداك لأمرٍ ما
ليهدي لاعج الشوق ... إلى من عضّ أو شمّا
فلم تكن إلا ساعة حتى وافت جارية لها، معها جام لوزينج وهي تقول: مولاتي تقرئك السلام وتقول لك: قد سمعت شعرك، ورأيتك بدأت بالعض قبل الشم، فعلمت أنك جائع؛ فتبلغ بهذا الجام حتى يدرك طعامنا. قال: وكيف كنت أقول؟ قالت: كنت تقول:
أيا تفّاحة رضّت ... فؤادي للهوى رضّا
لقد أهداك إنسانٌ ... وأهداك لما يرضى
ليهدي لاعج الشوق ... إلى من شمّ أو عضّا
وكان أحمد بن أبي طاهر قبيح الوجه، وكان له جارية من أحسن النساء، فضحك إليها يومًا فعبست في وجهه، فقال لها: أضحك في وجهك فتعبسين في وجهي؟ فقالت: نظرت أنت إلى ما سرك فضحكت ونظرت إلى ما ساءني فعبست.
وليس هذا كقول حمرة امرأة عمران بن حطان وكان قبيحًا وكانت جميلة: إني لأرجو أن نكون جميعًا في الجنة. فقال: ولم؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأعطيت أنا مثلك فصبرت؛ فالصابر والشاكر في الجنة.
وخطبت بعده فلبس بعض ثيابه وخرجت تتمثل بقوله:
تلبس يومًا عرسه من ثيابه ... إذا قيل هذا يا حميرة خاطب
فانصرفوا عنها.
وكان أبو الحسن جحظة البرمكي أطيب الناس غناء، وأحسنهم مجالسة، وأمتهم مؤانسة، وكان قبيح المنظر جدًا جاحظ العينين وفيه يقول ابن الرومي:
نبئت جحظ يستعير جحوظه ... من فيل شطرنج ومن سرطان
يا رحمتي لمنادميه تحملوا ... ألم العيون للذّة الآذان
وعد بكفن بعد أيام!
قال المدائني: جاء رجل إلى جار له من الأشراف فقال له: جارك فلان توفي ولا كفن له فتأمر له بكفن، فقال: والله الآن ما عندي شيء، ولكن تعاودنا بعد أيام. قال: فنملحه أصلحك الله إلى أن يتيسر الكفن!
دينار يلد
وجدت امرأة أشعب دينارًا فأتته به، فقال: ادفعيه إلي حتى يلد لك في كل أسبوع درهمين، فدفعته إليه، فصار يدفع إليها في كل أسبوع درهمين؛ فلما كان في الأسبوع الرابع طلبته منه، فقال لها: مات في النفاس، فقالت: ويلي عليك! كيف يموت الدينار؟ فقال لها: الويل لك على أهلك! كيف تصدقين بولادته وتنكرين موته في نفاسه.
سقط أحدب في بئر، فذهبت حدبته وصار آدر، فدخل إليه جيرانه يهنئونه، فقال: لا تفعلوا فالذي جاء شر من الأول.
قال ابن خالويه: استعرضت جارية فقلت لها: أبكر أنت أم أيش؟ قالت: أيش، فاشتريتها.
من نوادر المعزين أيضًا
قال أبو العالية: لما مات سعيد بن مسلم الباهلي قال لي الرشيد: علم فلانًا تعزية يعزي بها ولد سعيد لفتى من بني هاشم. فقلت للفتى: إذا صرت للقوم فقل: عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، ورحم سعيدًا. قال: هذا طويل. فقلت فقل: أعظم الله أجركم، وختم بالصبر على قلوبكم. قال: هذا أطول من ذاك. قال فقلت: أعظم الله أجركم وكررته عليه يومين، فلما كان اليوم الثالث ركب وركبنا معه، فلما قرب من باب القوم خرجوا إليه حفاةً إعظامًا له، فلما رآهم قال: ما فعل سعيد؟ قالوا: مات، قال: جيد وما أظن ذلك، فإيش عملتم به؟ قالوا: دفناه. قال: أحسنتم. ثم انصرف.
1 / 74