ومن ظريف ما في هذا الباب ما حكاه الصولي قال: كنت يومًا بين يدي أمير المؤمنين الراضي بالله إذ دخل عليه بعض الخدم برقعة دفعها صاحب الخبر الملازم لمجلس أبي عمر القاضي، يذكر أن رجلًا أحضر خصمًا للقاضي، وادعى عليه مائة دينار؛ فألزم القاضي الغريم اليمين؛ إذ لم يجد الخصم بينة؛ فأخذ الدواة وكتب بيتين فدفعهما إلى القاضي، فأمر القاضي غلامه فأحضر مائة دينار ودفعها إلى الرجل، والبيتان هما:
وإني لذو حلفٍ كاذب ... إذا ما اضطررت وفي الأمر ضيق
وهل من جناحٍ على مسلمٍ ... يدافع بالله ما لا يطيق
فعجب الراضي من الرجل وديانته، لخلاصه من الحكم؛ وعجب من كرم القاضي وحسن ما فعله، ثم أمرني بالركوب إلى القاضي ومسألته في البحث عن صاحب البيتين وإحضاره إليه. فلم نزل أيامًا حتى حصل لنا، فجئنا به إلى دار السلطان، فمر له بألف دينار وخمس خلع ومركوب حسن، وأمره بملازمة الدار؛ ثم قلده الأهواز وأعمالها.
من نوادر اللصوص
وخرج أبو سعيد الحربي مرة وهو شارب، فجلس يبول وعليه طيلسان خلق إبريسمي، فمر به بعض المكارين في الليل، وتناول طيلسانه، فصاح به أبو سعيد: فقال له الفتى: ما تريد؟ قال: أصرف الله عنك الأذى.
ودخل على أبي سعيد اللصوص فأخذوا كل ما في داره، فلما مضوا حمل أبو سعيد البارية ومضى في أثرهم فنظر إليه أحدهم فقال: أي شيء تصنع معنا؟ قال: نطلب بيتًا نتحول فيه بمرة، فضحك اللصوص وردوا عليه ما أخذوه منه.
من نوادر الأطباء
وكان ببغداد طبيب اسمه نعمان لا ينجح مريض على يديه، فقال فيه بعض الشعراء:
أقول لنعمانٍ وقد ساق طبّه ... نفوسًا نفيسات إلى داخل الأرض
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال كشاجم لعيسى بن نوح النصراني:
عيسى الطبيب ترفّق ... فأنت طوفان نوح
يأبى علاجك إلاّ ... فراق جسمٍ لروح
شتّان ما بين عيسى ... وبين عيسى المسيح
هذاك محيٍ لميتٍ ... وذا مميت صحيح
هذا منقول من قول رجل من بني تميم، لما دخل هلال بن أحوز البصرة بعد إيقاعه بني المهلب، وقد أطافت به بنو تميم، فقال شيخ من الأزد: رجالهم يطيفون به كما يطيفون بعيسى ابن مريم. فقال التميمي: هذا ضد عيسى ابن مريم؛ فإن ذاك يحيي الموتى وهذا يميت الأحياء.
من نوادر الفقهاء
قال رجل للشعبي: ما تقول في رجل أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليه دم، أترى له أن يحجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وقال له رجل: ما تقول في رجل شتمني في أول يوم من شهر رمضان، أتراه يؤجر؟ قال: إن قال لك يا أحمق رجوت له ذلك.
دخل زاهر بن العلاء على الحجاج فنسي التسليم، فقال: التحيات لله الطيبات الصلوات لله. ثم ذكر التسليم فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته.
من طرف المعزين
ودخل بعض الهاشميين على الرشيد معزيًا. فقال: يا أمير المؤمنين، أحسن الله عزاك، وربك عزاك، وأحاله علينا وعليك بخير، ورحم فلانًا ولا عرفه قليلًا ولا كثيرًا، تأمر بشيء يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم! آمر أهلك أن يدفنوك؛ فإن موتك حياة وحياتك موت.
مات أخ لأبي علقمة النحوي، فأتى ابنه يعلم أبا علقمة بموت أخيه. فقال: ما كانت علته؟ فقال الغلام: تورمت رجلاه فانتهى الورم إلى ركبتاه. فقال أبو علقمة: لحنت؛ فقل: إلى ركبتيه. فقال الغلام: لقد شق عليك موت أبي حيث لم تدع بغضك ساعة!
من نوادر المحبين
ومرت بداود بن المعتمر امرأة جميلة، فقام يتبعها حتى أدركها. فقال: لولا ما رأيت عليك من سيماء الخير لم أتبعك، فضحكت حتى استندت إلى الحائط. فقالت: إنما يمنع مثلك من الطمع في مثلي ما يرى من سيماء الخير، فإذا كان هذا هو الذي يطمع في النساء فإنا لله وإنا إليه راجعون.
1 / 73