قال: وروي أن النبي ﷺ قال: أيما رجل آتاه الله مالًا وجمالًا وسلطانًا فأنفق في ماله وعف في جماله وعدل في سلطانه كتب في خالص ديوان الله من الأبرار. قال: أحسنت يا بهلول، وأمر له بجائزة سنية، فقال: يا أمير المؤمنين؛ ردها على من أخذتها منه؛ فلا حاجة لي بها. فقال: يا بهلول؛ إن كان عليك دين قضيناه. قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء أهل الرأي بالكوفة أجمعوا على أن قضاء الدين بالدين لا يجوز. قال: فنجري عليك ما يكفيك؛ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا أمير المؤمنين؛ أنا وأنت في عيال الله، ومحال أن يذكرك وينساني؛ فأرسل الرشيد السجف وسار.
وقيل: إن بهلولًا كان يستعمل الجنون سترًا على نفسه.
من نوادر المجانين
وقال هارون المخزومي: رأيت مجنونين يتنازعان رغيفًا يقول أحدهما: هذا أنت تأكله، ويقول الآخر: بل أنت تأكله. قال: فقلت لهما وأنا أظن أن أربح عليهما: أنا آكله. فقالا: يا أحمق، إنه مع أدم. فقلت: وما أدمه؟ قالا: وجء الحلق وصفع العنق. فوليت عنهما، فقالا: يا مجنون؛ لولا بشاعة الأدم لكنا أكلناه منذ حين.
وقيل لسعيد العامري وكان من أصحاب النوبهاري: لقد حظيت بكثرة المال. قال: فإني بعتك مالي كله بحبة من عقل غفار الموسوس. قلت: وأي شيء رأيت من عقله؟ قال: رأيته يومًا وقد وقف عليه رجلان أحدهما سكران، فجعل السكران يفتري عليه وهو يفتري على الصاحي؛ فقلت له: لم لا تشتم الذي يشتمك؟ قال: لأن معه شيطانًا لا أقوى عليه، فالتفت إلي السكران وقال: يابن الفاعلة؛ أتحرضه علي؟ ورفع رجله من الأرض فشيعني بها موضحة ومر يعدو. فقال غفار: من هذا فررت.
من نوادر أبي نواس
ومر عثمان بن حفص الثقفي بأبي نواس وقد خرج من علة وهو مصفر الوجه، وكان عثمان أقبح الناس وجهًا. فقال له عثمان: ما لي أراك مصفرًا؟ فقال أبو نواس: رأيتك فذكرت ذنوبي. قال: وما ذكر ذنوبك عند رؤيتي؟ فقال: خفت أن يعقابني الله فيمسخني قردًا مثلك.
ولما حبس الأمين أبا نواس دخل عليه خال الفضل بن الربيع، وكان يتعهد المحبوسين، ويسأل عنهم وكانت فيه غفلة، فأتى أبا نواس وقال: ما جرمك حتى حبست في حبس الزنادقة؟ أزنديق أنت؟ قال: معاذ الله. قال: أتعبد الكبش؟ قال: ولكني آكله بصوفه. قال: أتعبد الشمس؟ قال: والله ما أجلس فيها من بغضها، فكيف أعبدها! قال: أفتعبد الديك؟ قال: لا والله، بل آكله، ولقد ذبحت ألف ديك، لأن ديكًا نفرني مرة، فحلفت ألا أجد ديكًا إلا ذبحته. قال: فلأي شيء حبست؟ قال: لأني أشرب شراب أهل الجنة، وأنام خلف الناس. قال: وأنا أيضًا أفعل ذلك، ثم خرج إلى الفضل فقال: ما تحسون جوار الله تحبسون من لا ذنب له، سألت رجلًا في الحبس عن خبره، فقال كذا وكذا، وعرفه بكل ما جرى بينه وبين أبي نواس، فضحك ودخل على الأمين فأخبره الخبر، فأمر بتخليته للحال.
الأمين يحبس أبا نواس
وكان أبو نواس حبس في أيام الأمين مرتين؛ إحداهما أنه بلغ الأمين قوله:
ومستعبد إخوانه بثرائه ... لبست له كبرًا أبرّ على الكبر
إذا ضمّني يومًا وإياه مجلسٌ ... رأى جانبي وعرًا يزيد على الوعر
أُخالفه في شكله وأجرّه ... على المنطق المنزور والنّظر الشّزر
فوالله لا ألوي لساني بحاجةٍ ... إلى أحدٍ حتى أُوسّد في قبري
وقد زادني تيهًا على الناس أنني ... أراني أغناهم وإن كنت ذا فقر
فلو لم أنل فخرًا لكانت صيانتي ... فمي عن جميع الناس حسبي من فخر
فلا يطمعنّ في ذاك منّي طامعٌ ... ولا صاحب التاج المحجّب في القصر
فقال: وبلغ بك الأمر إلى أن تعرض بي في شعرك يابن اللخناء! فقال سليمان بن أبي جعفر: هو والله يا أمير المؤمنين زنديق، وقد شهد عندي جماعة أنه شرب ماء مطر مع خمر، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: لأشرب الملائكة فإنه كان مع كل قطرة ملك، فأمر بحبسه فقال:
يا ربّ إنّ القوم قد ظلموني ... وبلا اقتراف خطيئةٍ حبسوني
وإلى الجحود بما عليه طوّيتي ... بالزور والبهتان قد نسبوني
أما الأمين فلست أرجو دفعه ... عنّي فمن لي اليوم بالمأمون
1 / 62