قال حيان بن غضبان العجلي وقد ورث نصف دار أبيه: أريد أن أبيع نصف حصتي من الدار وأشتري الباقي، فتصير الدار كلها لي.
وشكا أهل بدلة إلى المأمون واليًا عليهم؛ فقال: كذبتم عليه، قد صح عندي عدله فيكم وإحسانه إليكم. فقال شيخ منهم: يا أمير المؤمنين؛ فما هذه المحبة لنا دون سائر رعيتك، قد عدل فينا خمس سنين فانقله إلى غيرنا حتى يشمل عدله الجميع، وتريح معنا الكل؛ فضحك منهم وصرفه عنهم.
قال دعبل: ما غلبني إلا مخنث؛ قلت له: والله لأهجونك. قال: والله لئن هجوتني لأخرجن أمك في الخيال.
ورئي بعض المرائين على باب بعض الملوك، وبين عينيه سجادة عظيمة، فقيل له: مثل هذا الدرهم بين عينيك، وأنت محتاج إلى أبواب الملوك! فقال: إنه ضرب على غير السكة.
وعمل بعض المرائين بين عينيه سجادة دلكها بنواة وثوم، وعصب الثوم بين عينيه ونام؛ فتحركت العصابة؛ فصارت في ناحية صدغه سجادة كبيرة. فقال له ابنه: ما هذا يا أبت؟ فقال: أصبح أبوك ممن يعبد الله على حرف.
ومن أملح ما في هذا قول أبي نواس وقد نهاه الأمين عن الخمر:
عين الخليفة بي موكّلةٌ ... عقد الحذار بطرفها طرفي
صحّت علانيتي له وأرى ... دين الضمير له على حرف
ولئن وعدتك تركها عدةً ... إني عليك لخائفٌ خلفي
وقال ابن المعتز:
يأيها الجاني ويستخفي ... ليس تجنّيك من الظرف
إنّك والشوق إلينا كمن ... يؤمن بالله على حرف
محوت آثارك عن ودّنا ... غير آثارك في الصّحف
فإن تحاملت لنا زورةً ... يومًا تحاملت على ضعف
وأتى ابن عائشة إلى بعض الملوك فأنشده:
اعطف عليّ فالكريم يعطف ... قد غلق الرّهن وملّ المسلف
وارتهني الدفّ وبيع المصحف
فقال: يا فاسق، أترهن دفًا وتبيع مصحفًا! قال: اتكلت في المصحف أعزك الله تعالى وأجلك.
من نوادر بهلول
قال رجل لبهلول المجنون: قد أمر أمير المؤمنين لكل مجنون بدرهمين. فقال له بهلول: فهل أخذت نصيبك.
وأودع بهلول بعض الأفنية بالكوفة عشرين درهمًا ورجل خياط ينظر إليه من حيث لا يعلم به بهلول؛ فلما انصرف أخذ الخياط الدراهم، فعاد بهلول يطلبها فلم يجدها، فعلم أنه لم يؤت إلا من الخياط. فمر به فقال: يا فلان؛ خذ بيدك عشرة دراهم وخذ ثلاثين وخذ كذا ... حتى بلغ المائة. قال: وزدها عشرين كم يكون المال؟ قال: مائةً وعشرين. قال: أصبت ومضى. فقال الخياط في نفسه: ما أظنه إلا يمضي بهذه الدراهم التي حسبها ليزيدها على العشرين فلأردنها إلى موضعها، فإذا زاد عليها أخذت الجميع ففعل؛ فكر بهلول إلى الموضع، فأخذ الدراهم وأحدث في موضعها ثم مضى؛ فقام الرجل مسرعًا، فلما أدخل يده امتلأت حدثًا، ولم يجد شيئًا؛ فعارضه بهلول، وقال: خذ في يدك كذا وكذا. كم في يدك؟ قال: مائة وعشرون. قال: ما في يدك إلا حدث، فانتشر خبر الخياط، وولع الصبيان فيه حتى هرب من الكوفة.
ولبهلول هذا حكم؛ وكان يتشيع فقيل له يومًا: أيما أفضل أبو بكر أم علي ﵄؟ فقال له: أما وأنا في كندة فعلي، وأما وأنا في ضبة فأبو بكر. وكندة بالكوفة من غلاة الرافضة، وبنو ضبة أهل سنة.
ولما دخل الرشيد الكوفة خرج الناس للنظر إليه، فناداه بهلول ثلاثًا. فقال: من المجترىء علي في هذا الموضع؟ قيل: بهلول المجنون. فرفع السجافة وقال: بهلول؟ قال: لبيك يا أمير المؤمنين، روينا عن أيمن بن نائل قال: حدثنا قدامة عن ابن عبد الله العامري قال: رأيت رسول الله ﷺ يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد ولا قيل بين يديه إليك إليك؛ وتواضعك في سفرك هذا خير لك من تجبرك وتكبرك. قال: فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض، وقال: أحسنت يا بهلول، زدنا يرحمك الله.
1 / 61