خرج بعض ملوك الفرس متنزهًا، فلقيه بعض الحكماء فسأله عن أحزم الملوك؟ فقال: من ملك جده وهزله، وقهر لبه هواه، وأعرب لسانه عن ضميره، ولم يختدعه رضاه عن سخطه، ولا غضبه عن صدقه. فقال الملك: لا، بل أحزم الملوك من إذا جاع أكل، وإذا عطش شرب، وإذا تعب استراح. فقال له: أيها الملك؛ قد أجدت الفطنة، أهذا لك علم مستفاد أم غريزي؟ قال: كان لي معلم من حكماء الهند، وكان هذا نقش خاتمه. قال: فهل علمك غير هذا؟ قال: ومن أين يوجد هذا عند رجل واحد. ثم قال الملك: علمني من حكمتك أيها الحكيم. قال: نعم! احفظ عني ثلاث كلمات؛ قال: صدقت، فهات، قال: صقلك لسيف ليس له جوهر من طبعه خطأ، وبذرك الحب في الأرض السبخة ترجو نباته جهل، وحملك الصعب السير على الرياضة عناء. ومن هنا أخذ أبو تمام قوله:
في دولة غرّاء معتصميّة ... ميمونة الإدبار والإقبال
فتعمّق الوزراء يطفو فوقها ... طفو القذى وتعقّب العذّال
والسيف ما لم يلف فيه صقلٌ ... من طبعه لم ينتفع بصقال
من نوادر الملوك والعمال والقضاة
وكان القلهمان أحد حكماء الهند وفيلسوف أطبائهم وترجمان علومهم، وكان ترجمان ملك من ملوكهم يقال له ياكهثر بن شبرام، وكان ركيكًا إلا أنه من أهل بيت المملكة، فقال يومًا للقلهمان: ما العلم الأكبر؟ قال: معرفة الطب. قال: فإني أعلم من الطب أكثره. قال: فما دواء المبرسم أيها الملك؟ قال: الموت حتى تقل حرارة صدره ثم يعالج بعد بالأدوية الباردة. قال القلهمان: أيها الملك، من يحييه بعد الموت؟ قال: ليس هذا من الطب. هذا علم آخر يوجد في كتاب النجوم. ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة، فإني وجدتها خيرًا للإنسان من الموت. قال القلهمان: أيها الملك، على كل حال خير للجاهل. قال: لو نظر الجاهل في باب الموت لعلم أني قلت الحق.
وسألت أبو عون رجلًا عن مسألة فقال: على الخبير سقطت، سألت عنها أبي فقال: سألت أبي فقال: لا أدري.
قال أزهر: استعدت امرأة على زوجها عند ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك وهو قاض فادعت مهرها ألف درهم، فقال: ألك بينة؟ قالت: لا، قال: أفأحلفه لك؟ قالت: إنه فاجر يحلف؛ ولكن ابعث إلى إسحاق بن سويد الفقيه فسله أن يحلف لي عنه. قال فأرسل إلى إسحاق بن سويد فلما حضر. قال له: احلف لهذه المرأة ما لها على زوجها ألف درهم؟ قال إسحاق: ما أنا وهذا! قال: فيبطل حق هذه المرأة؟ لتحلفن لها أو لأحبسنك، فلم يحلف فحبسه. فأتاه ابن سيرين فقال: لا ألومك على حبسك إسحاق، ولكن لم وليت القضاء؟ قال: أكرهني عليه السلطان. قال: كنت تعلمه أنك لا تحسنه. قال: كنت أنا أكذب؟ وكان نصر بن مقبل بن الوزير على الرقة عاملًا لهارون الرشيد، فأخذ بعض أصحابه رجلًا ينكح شاة، وأجمعوا الذهاب به إلى نصر، وكان الرجل ظريفًا فقال: يا قوم؛ إنها والله ملك يميني. فضحوا منه وخلوا سبيله، وذهبوا بالشاة إلى نصر؛ فأمر أن تضرب الحد، فإن ماتت تصلب، قالوا: إنها بهيمة؟ قال: وإن كانت بهيمة؛ فإن الحدود لا تعطل، وإن عطلتها فبئس الوالي أنا.
فانتهى حديثه إلى الرشيد ولم يكن رآه، وكان نبيل القد، حسن المنظر، جليل القدر؛ فدعا به فوقف بين يديه، فقال: من أنت؟ قال: مولى لبني الكلب يا أمير المؤمنين، فضحك. ثم قال: كيف بصرك في الحكم؟ قال: البهائم يا أمير المؤمنين والناس عندي سواء، ولو وجب الحكم على بهيمة وكانت أمي أم أختي لحددتها، ولم تأخذني في الله لومة لائم. فأمر هارون ألا يستعمل، فلم يزل معطلًا حتى ولي المأمون، فرفع يسأله الاستعانة به، فولاه طبرناباذ، وأمره أن يكون على العصير بها، فلم يزل على ذلك حتى مات.
وكان مقاتل بن حسان على قضاء البصرة، فسأله رجل عن مسألة. فقال: لا أعرف الجواب، فقال: أنت قاض ولا تحسن المسألة؟ قال: نعم! لأن الثور أعظم من الحمار ولا يحسن أن يركض ركض الحمار. قال: أيها القاضي؛ فهذا مثلك؟ قال: بل هذا مثلي ومثلك. قال: فأيهما أنت؟ قال: أنبلهما وأعظمهما يعني الثور.
حسن مظهر وسوء مخبر
1 / 34