وليس شيء من هذه المبادئ حجة على الغير ، إذا لم يحصل له اليقين منها ، | كما حصل لك ، كعلمك بأن نور القمر مسفتاد من الشمس ، وإنما يحدسه | الناظر من اختلاف مشكلاته بحسب اختلاف أوضاعه . وليس من شرط ما يجب | قبوله أن يكون قضية ضرورية ، بل قد يكون ضروريا . وغيره من الجهات ، | كالإمكان والإطلاق . إذ المراد بقبول كل قضية هو صدقها المتيقن . إن كانت | | ضرورية فصدقها في ضرورتها ، أو كانت ممكنة فصدقها في إمكانها ، أو مطلقة | ففي إطلاقها .
والبرهان : منه برهان ' لم ' وهو الذي يعطي علة الوجود والتصديق معا ، | كقولنا : هذه الخشبة مستها النار ، وكل كدر محترق ، فهذه الخشبة محترقة ، | فالأوسط فيه مع كونه علة التصديق ، هو علة للحكم بالأكبر على الأصغر ، | وإن لم يكن علة للأكبر في نفسه ، بل ربما معلولا لأحد الطرفين ، كحركة النار | التي هي معلولة لها : وهي علة وصولها إلى الخشبة ، ومنه برهان ' إن ' وهو | الذي يعطي علة التصديق فقط ، كقولنا : هذه الحمى تشتد غيا ، | وكل حمى تشتد كذلك فهي محرقة . وربما كان الأوسط في هذا معلولا للحكم ، | يسمى دليلا ، مثل : هذه الخشبة محترقة ، وكل محترق فقد مسته النار . | ومباحث البرهان كثيرة ، ولا حاجة في هذا الكتاب إلى أكثر من هذا .
وأما الجدل فصناعة علمية ، يقتدر معها على إقامة الحجة من المقدمات | المسلمة على أي مطلوب يراد ، وعلى محافظة أي وضع يتفق على وجه لا يتوجه | إليها مناقصة بحسب الإمكان ، وناقض الوضع بإقامة الحجة يسمى سائلا ، | وغاية سعيه أن يلزم ، وحافظه يسمى مجيبا ، وغاية سعيه ألا يلتزم .
ومبادئ الجدل هي المسلمات العامة أو الخاصة ، والتي بحسب شخص ، | فعند السائل هي ما يتسلمه من المجيب ، وعند المجيب هي المشهورات .
فمنها الواجب قبولها ، لا من حيث واجب قبولها ، بل من حيث عموم | الإعتراف بها . ومنها الآراء المحمودة ، وهي التي لو خلى الإنسان وعقله المجرد | وحسه ووهمه ، لم يؤدب بقبول قضاياها والإعتراف بها ، ولم يلم الإستقراء | بظنه القوي إلى حكم ، ولم يستدع إليها ما في طبيعة الإنسان من الرحمة | والخجل والأنفة والحمية ، وغير ذلك ، لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه | أو حسه ، مثل حكمنا أن أخذ مال الغير قبيح ، والكذب قبيح ، وكشف | العورة قبيح . وهذه قد تكون صادقة ، وقد تكون كاذبة ، وقد تكون عامة ، | يراها الجمهور ، كقولنا : العدل جميل ، وخاصة يراها أهل ملة أو صناعة
دون غيرهم . |
पृष्ठ 197