وانعقد الإجماع من لدن محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على وجوب العمل بخبر الواحد في الشهادة والفتوى وحكم الحاكم والأمور الدنياوية كاتخاذ الأدوية والأغذية والتجارة والسفر. ومذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والفقهاء والأصوليين وجوب العمل به في سائر الأمور الدنياوية ، واختلفوا هل وجوب العمل به ثابت بالشرع أو بالعقل والشرع معا؛ حجة الأول قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } أي فتثبتوا حتى يتبين لكم صدق ما قال، فموجب التثبت كون المخبر فاسقا، فمفهومه أن خبر الصالح يعمل به بلا تثبت، والإجماع السكوتي أيضا فإن الصحابة استدلوا بخبر الواحد وعملوا به واحتجوا به وشاع ذلك بينهم من غير نكير. وحجة الثاني من الشرع الآية والإجماع السكوتي المذكوران، ومن العقل أنه لو لم يجب العمل به لعطلت الأحكام المدونة بخبر الواحد، وهي كثيرة جدا، ولا سبيل إلى القول بتعطيلها.
وبالمصالح عنيت المرسله ... - ... له احتجاج حفظته النقله
يعني أن مالكا - رضي الله عنه - نقل عنه الاحتجاج بالمصالح المرسلة أي المطلقة من الاعتبار والإلغاء، أي التي لم يرد عن الشارع أمر بجلبها ولا نهي عنها بل سكت عنها، لأن المصالح على ثلاثة أقسام:
الأولى: المصلحة المعتبرة شرعا أي التي أمر الشارع العباد بجلبها لأنفسهم كمصلحة حفظ العقل فإن الشارع أمر بجلبها إجماعا، ولذلك يحرم استعمال كل مأكول أو مشروب أو مشموم يزيل العقل بالقياس على الخمر.
पृष्ठ 27