इर्सालिया हबशिया फी रूसिया
الإرسالية القبطية الحبشية في البلاد الروسية: نيافة الأنبا متاءوس في بلاد الروس
शैलियों
مقدمة
فطر الإنسان على الولوع باستطلاع الحقائق والوقوف على ماجريات الأحوال، وخصوصا ما كان منها متعلقا بالمسائل التاريخية والحوادث الهامة، وما تركه السلف للخلف من جميل الآثار وجليل المآثر؛ ولذلك ترى أبناء الأمة القبطية يلذ لهم كثيرا مطالعة تاريخ أحبارهم العظام ورعاتهم الكرام الذين نقش لهم التاريخ بين صفحاته بأحرف ذهبية الأثر الحميد والذكر الخالد؛ مثل غبطة الأب الجليل والراعي النبيل الأنبا كيرلس الأكبر مصلح الأمة العظيم، ونيافة المرحوم مطران القدس الشريف، وغيرهما من فطاحل الأمة وقادتها الأفاضل، الذين تركوا لهم بين ظهرانينا من آثار الغيرة الشريفة والهمة العالية ما لا يقوى على محوه مرور الأيام وكرور الأعوام.
وليس يخفى أن نيافة الحبر المفضال الأنبا متاءوس مطران الحبشة نال القدح المعلى واليد الطولى في خدمة أمته وبلاده، وكانت له الأيادي البيضاء والمآثر الغراء في توطيد دعائم المحبة والوداد بين الأمتين القبطية والحبشية، وتأييد سلطة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هاتيك الأصقاع النائية والديار القاصية. وقد ترك له بين أبناء الأمة القبطية مدة زيارته للقطر المصري الأخيرة من الحب الأكيد والميل الشديد والإخلاص العظيم ما جعل الكل يتشوقون على الدوام للوقوف على تاريخ أعماله الجليلة ومشروعاته النافعة، ولا يملون من استطلاع أخباره السارة، ومطالعتها بمنتهى اللذة والارتياح. وقد كنا نلاحظ ذلك كلما سنحت لنا الظروف بنشر شيء مما كان يأتينا من أنباء الحبشة في جريدة الوطن.
ولا نخال القارئ الكريم قد برح من ذاكرته ما كان من أمر سياحة نيافة الأنبا متاءوس في البلاد الروسية مندوبا من قبل جلالة الإمبراطور مناليك في مهمة عالية ومأمورية خطيرة، وقد انتدب نيافته أحد الأدباء من أبناء الأمة لمرافقته في هذه السياحة بصفته ترجمانا للوفد، وقد عني هذا الأديب بكتابة نبذة مفيدة في تفصيل أخبار هذه السياحة، وما صادفه الوفد من مظاهر الإجلال، وما كان من مقابلته لجلالة قيصر الروس، وما دار يومئذ بينهما من الحديث، مع وصف ما في تلك البلاد من الآثار والعادات والأخلاق، وكذلك مقابلة نيافة الأنبا متاءوس لجلالة السلطان عبد الحميد، وما شاهده في دار السعادة من جميل المشاهد وبديع الآثار؛ كل ذلك بإيضاح واف وتفصيل كاف شاف مما تلذ مطالعته وتفيد مراجعته. ولما كانت هذه السياحة لا تخلو من الحقائق التاريخية والفوائد الجزيلة، فلا يصح إغفالها ولا سيما لأن الجرائد لم تفها وقتئذ حقها من التوسع والتفصيل، بل كانت تقتصر على مجرد ذكر أخبار سفر الوفد وإيابه، وانتقاله من بلدة إلى أخرى؛ لذلك لم نر بدا من طبع تلك النبذة لتكون أثرا تاريخيا خالدا ينطق بفضل نيافة هذا الحبر الجليل (مطران الحبشة)، ويذكر أبناء الأمة على الدوام بأعمال قادتها الأفاضل ورعاتها الكرام. ونؤمل أن تقع خدمتنا هذه الحقيرة لدى مواطنينا موقع القبول والإقبال، والله ولي الهداية والتوفيق على كل حال.
إدارة الوطن
الرحلة
قال الراوي:
كنت من تلامذة القسم التجهيزي بالمدرسة الكلية الكبرى. وفي يوم الثلاث 17 يونيو استدعاني كل من حضرات وهبي بك ناظرها وأرمنيوس بك مراقب إدارة البطركخانة، وسألاني إذا كنت أريد السفر مع نيافة مطران الحبشة للشام مدة أسبوعين أو ثلاثة، فأجبتهما أني أستعد لتأدية الامتحان للحصول على شهادة الدراسة الثانوتية في السنة الآتية (سنة 1903)، ولا يمكنني إضاعة الوقت بدون مذاكرة، فلم يصغيا لكلامي، بل أخذاني حيث مثلت أمام يدي غبطة بطريركنا المعظم ونيافة المطران المذكور وقدماني لهما، فسألني غبطة البطريرك عن اسمي ونسبي فأجبته عن ذلك، فتذكر غبطته أنه يعرف عائلتنا، وكان ذلك في الساعة 10 وربع من يوم الثلاث المذكور، فأمرني بأن أجهز ملابسي الضرورية وأستعد للسفر، فقصدت محل سكني، وأحضرت كل ما أحتاج إليه، وتوجهت معهم للمحطة حيث فارقنا العاصمة الساعة 11 صباحا، بعدما ودعنا سعادة إسكندر باشا فهمي مدير السكك الحديدية، وسعادتي أرمنيوس بك ووهبي بك، وكثيرين من أعيان الطائفة، فسرنا حيث وصلنا بورسعيد في مساء ذلك اليوم، وكان في انتظارنا على رصيف المحطة جناب قنصل دولة الروسيا، ورزق الله بك سميكة، ورئيس النيابة، وعدد عظيم من أعيان الطائفة، وساروا بنا إلى الكنيسة الأرثوذكسية حيث أقمنا فيها 5 أيام لغاية يوم السبت 21 يونيو. وفي أثناء ذلك زار نيافته جميع الذين تشرفوا باستقباله على رصيف المحطة.
وما أقبل صباح السبت إلا وحضر جناب وكيل القنصل يدعونا للسفر، فسرنا معه للمينا حيث أبحرنا في الساعة 1 بعد ظهر هذا اليوم. وبعد أن ودعنا جناب القنصل وتحرك الوابور، دعاني نيافة المطران إلى حضرته، وأخذ يحدثني بلطفه المعهود، فقال: لما كنا في مصر علمت أنهم أخبروك بالسفر معي للشام، فالآن لا تخف يا ولدي، أنت معي، وإن شاء الله سنقصد الروسيا حيث نحظى بمقابلة جلالة الإمبراطور في عاصمتها بطرسبرج، فلا تتفكر شيئا ما دمت معي، فإني مستعد يا ولدي لتأدية واجباتك وكل ما تطلبه مني أعطيك إياه في الحال، فاصبر على هذا السفر الطويل، واطلب من الله أن يوصلنا بالسلامة. فعند ذلك أجبت نيافته بأني لست مستحقا أن أكون في حمى آب حنون مثلك؛ فأنا أعلم أن معاملتك إياي ستكون أفضل من معاملة آب لولده، وإني أشكر الله يا سيدي الذي وفق لي آبا مكرما مثل نيافتكم، فإني أحسد زماني الذي من علي بهذه السياحة السعيدة التي ستكون عاقبتها الخير والفائدة لي ولأمتي، وبعد هذا قبلت يديه الكريمتين وانصرفت قاصدا مخدعي وقد طاب خاطري من كلامه الصالح، ورفعت يدي نحو السماء وطلبت منه تعالى أن يديم حياة هذا الآب الجليل.
ومن ثم سارت بنا الباخرة في وسط البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، حتى وصلنا مدينة بيريه من البلاد اليونانية في الساعة الثالثة من مساء يوم الإثنين الموافق 19 من الشهر المذكور. وبينما نحن سائرون كنا نشاهد الأمواج المتلاطمة التي كانت تناطح الباخرة وتكاد تعطلها عن المسير، وكنا ننظر وقتئذ إلى السماء والماء، ولما وصلنا بيريه سارت بنا الباخرة إلى موضع محاط بالجبال حيث مكثنا به خمسة أيام، وفي يوم السبت 28 يونيو حضر دكتوران بالباخرة، وأخذا في تعداد ركاب الدرجة الأولى والثانية، وأما ركاب الدرجة الثالثة فخرجوا جميعا على الشاطئ حيث طهروهم، وفي الساعة 3 بعد ظهر ذلك اليوم سارت بنا الباخرة إلى الميناء فأقمنا فيها نحو ثلاث ساعات، وفي الساعة السادسة قصدنا مدينة أزمير. وفي أثناء سيرنا كنا نشاهد الجزائر بعضها على بعد ساعة والبعض الآخر على بعد ساعتين، وكلها مكسوة بثوب أخضر جميل، وشجر اللوز والجوز والبندق يزين تلك الجزائر التي تبهج النظر وتسبب للناظر انشراحا عظيما، فكنا ننظرها بالنظارة المعظمة. وفي الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم شاهدنا جزيرة قولين على بعد 10 أميال تقريبا، وهذه الجزيرة مضاءة بالنور الكهربائي، وتشبه جزيرة سيلان في طقسها اللطيف، وما زلنا نشاهدها من أربع أو خمس ساعات إلى أن غابت عنا.
अज्ञात पृष्ठ