وأن أبا بكر وعمر ﵄ وجماعةَ الأمة أخطؤوا في جمع القرآن
وجعله بين لوحين، وأنهم لم يرجعوا في ذلك إلى ثقة ويقين، بل إنما
تلقطوه وأخذوه من الواحد والاثنين، ومن الرقاع واللخاف، واستشهدوا
على ذلك الواحد والاثنين ومن لا تقوم الحجة بقوله وشهادته، وأن هذا هو
سبب اختلاف المصاحف والقراءات، وذهاب أهل الحجاز إلى حرف.
وأهل الشام إلى غيره، وأهل العراق إلى خلاف ذلك.
ويحكى أن قومًا قالوا: إن القرآن موجود الذات غير مزيد فيه ولا
منقوص منه، ولا متلو على غير الوجوه والحروف التي أنزل عليها، غير أن
نظمه وترتيبه ليس على ما أنزل وركب، فنفس القرآن صحيح ثابت، وتأليفه ونظمه هو الفاسد، ولأجل فساد نظمه اختلف الناس في الناسخ منه
والمنسوخ، والمجمل المفسَّر، والعام والخاص، قالوا: ولو قد وُضع كلُّ
شيءٍ منه في موضعه وضُمّ إلى ما قُرن به، لعُرفت معانيه، وزال الاختلاف
فيه، لأنه منزلٌ بلسان العرب، وبأفصح لغة، وأبيَن لسانٍ منها، فمن أين
يأتيه الرّيب والاختلافُ لو رُتّب على سنته ونُظم على وجهه؟ !
قالوا: إلا أن أبا بكر وعثمان ﵄ والجماعةَ قد أصابوا في
جمعه على ما هو اليوم عليه، لأن ذلك كان جهد رأيهم وغاية وسعهم
وطاقتهم، ومنتهى ما عندهم من الحزم والاحتياط، لأن القرآن لم يكن
محفوظًا على تاريخ نزوله وترتيبه فيثبته القوم كذلك، وإنما كان متفرقًا في
الجماعة، ومحفوظا لهم على حسب طاقتهم وما يُيسر لهم، فلم يمكنهم مع
ذلك غير الذي صنعوه، فقد أصابوا فيما حاطوه من دخول خلل تحريف أكثر
مما لحقه ودخل فيه، وكان الرأيُ معهم، والصواب في أيديهم حيث حاطوه
وحصنوه من تزايد الغلط فيه وإيجاد السبيل إلى الإلباس فيه، وهذا القول
1 / 68